حكم استراتيجي لفلسطين في محكمة العدل الدولية

يناير 29, 2024 - 12:53
حكم استراتيجي لفلسطين في محكمة العدل الدولية

قبلت محكمة العدل الدولية النظر في قضية ارتكاب اسرائيل جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة, المحكمة اكدت اختصاصها وولايتها القضائية في النظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل, لم تقبل المحكمة طلب إسرائيل رد الدعوى في القضية المرفوعة ضدها من جنوب أفريقيا. ووجدت المحكمة ان الشروط متوفرة لفرض التدابير المؤقتة الفورية, أي حسب معايير الربح والخسارة, خسرت إسرائيل القضية في هذه المرحلة وقررت المحكمة بعد الاقتناع بحجج جنوب افريقيا, اتخاذ ٦ تدابير مؤقتة وفق المادة الثانية من اتفاقية مكافحة الإبادة وجاء التصويت بغالبية عظمئ من القضاة كالاتي:

  1. ١٥/٢ على دولة إسرائيل اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة وجاء في قرار المحكمة ان هناك انتهاكًا ظاهريًا لاتفاقية الإبادة الجماعية وأنه حتى يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن غزة، يجب على إسرائيل أن تتوقف عن كافة اعمال الإبادة وهي:

أ) قتل المدنيين الفلسطينيين.

ب) التسبب في أذى جسدي جسيم للفلسطينيين

ج) تعمد فرض ظروف معيشية على الفلسطينيين تهدف إلى إحداث التدمير المادي للمجتمع الفلسطيني كليًا أو جزئيًا (بما في ذلك تدمير المنازل والبنية التحتية)

د) فرض إجراءات تهدف إلى منع الولادات بين الفلسطينيين

  1. ١٥/٢ على إسرائيل ان تلتزم بعدم قيام جيوشها او اخرين بأي من أعمال الابادة الجماعية الظاهرة أعلاه.
  2. ١٦/١ على إسرائيل منع ومعاقبة كل التصريحات المحرضة على الإبادة, على دولة إسرائيل اتخاذ كافة الإجراءات لمنع ولمعاقبة جميع التحريض العلني على الإبادة الجماعية وذكرت بالاسم وزير الجيش جالانت ورئيس الدولة هرتسوغ ووزير الطاقة كاتز وتصريحاتهم غير الإنسانية.
  3. ١٦/١ على إسرائيل ان تتخذ إجراءات فورية وفعالة لمعالجة الظروف المعاكسة للحياة في قطاع غزة أي توفير تدفق حر للاحتياجات والمساعدات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري.
  4. ١٥/٢ اتخاذ الإجراءات المتعلقة بمنع الابادة حسب المادة ٢ و٣ من اتفاقية مكافحة الإبادة فعلى دولة إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة للحفاظ على الأدلة المتعلقة بالإجراءات التي تؤثر على اتفاقية الإبادة الجماعية.
  5. ١٥/٢ على إسرائيل تقديم تقرير خلال شهر للمحكمة حوّل اجراءاتها لمنع أعمال الابادة والتزامها بالاتفاقية. أي على دولة إسرائيل ان تقدم إلى المحكمة تقريرًا بجميع الإجراءات المتخذة لتنفيذ أوامر هذه المحكمة خلال شهر.

 

هذا الحكم يفرض التزامات قانونية دولية وانية على إسرائيل, قرار المحكمة بالاختصاص وبقبول طلب جنوب إفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة أو وقائية فورية يعني ان زمن إفلات إسرائيل من العقاب قد انتهئ وهذه خطوة إيجابية سياسيا واستراتيجيا: سياسيا جميع القرارات اخذت تقريبا بإجماع القضاة رغم حساسية القضية من الناحية السياسية خاصة مع نفوذ حلفاء إسرائيل وهذا نقطة مهمة باتجاه عزلة إسرائيل ورفع الغطاء القانوني والدعم العسكري والمادي لدعم افعالها الاجرامية او ان هذه الدول المتورطة ستجد نفسها في قفص الاتهام تدافع عن وقوفها لجانب إسرائيل في هذه الجريمة. اما استراتيجيا, قرار اليوم نتائجه الملموسة ستعود في المستقبل القريب والبعيد, فالوصول لقرار نهائي بتجريم إسرائيل واثبات التهم قد يأخذ سنوات, ولكن الان المطلوب استثمار القرار في تحرك دبلوماسي وسياسي وقانوني بكل الاتجاهات لممارسة مزيد من الضغط على اسرائيل لتنفيذ قرارات المحكمة الملزمة ودعم القضية مما سيقوي مسارات الملاحقة الجنائية امام المحكمة الجنائية الدولية ضد الافراد فورا واولهم من ذكروا أعلاه في القرار, إضافة لمحاسبة كل من هو متورط في عدم منع وقوع الجريمة  سواء من الدول او الافراد كما لا نقلل من الضغط المالي واللوجستي على إسرائيل والاتجاه نحو عزلتها دبلوماسيا.  ما حصل في المحكمة استراتيجي وتوثيق للتاريخ ونصرا للحقيقة, فقد اخذت المحكمة عدة اعتبارات لاتخاذ قرارها منها ان إسرائيل تطبق سياسة النيكروبوليتسكس في التجويع فأكثر من 93% من السكان غير قادرين على الوصول إلى الطعام كما وثقت تصريحات مسؤولين إسرائيليين بشأن رفع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين إضافة لقلق مسؤولين حقوقيين مستقلين من خطاب الكراهية الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والبيانات الأممية بأن غزة تحولت إلى مكان لليأس والموت وبيان الأونروا عن تردي الأوضاع الإنسانية وإحباط السكان في قطاع غزة. قرار المحكمة استراتيجي حيث اكد مسؤولية ال ١٥٣ عضو اطراف اتفاقية مكافحة الإبادة الملزمة ليس فقط بعدم ارتكاب الجريمة ولكن التزامهم بمنع حدوثها وهذا يضع العديد من حلفاء إسرائيل عند المسائلة. 

قرار التدابير الاحترازية نهائي ومِلزم, قرار المحكمة استراتيجي، رغم أن التدابير التي امرت بها المحكمة لا تستجيب لجميع طلبات جنوب افريقيا، ولا تنص بشكل واضح وصريح على وقف الحرب، الا ان القرار يطلب بشكل واضح من إسرائيل التوقف عن قتل الفلسطينيين. بالنسبة لاستخدام لغة وقف إطلاق النار أم لا، لم تطلب جنوب افريقيا هذا حرفيا بل طلبت منع العمليات العسكرية وهنا كما جاء في القرار إذا استمرت إسرائيل في قتل وإيذاء المدنيين، أو تدمير البنية التحتية المدنية، أو الحصار، أو رفض المساعدات الإنسانية، أو التجريد من الإنسانية والتحريض على الإبادة الجماعية، أو تدمير الأدلة أو عدم الإبلاغ، فسيكون ذلك انتهاكًا لأمر محكمة العدل الدولية. باختصار دون وقف إطلاق النار لا يتم تحقيق التدابير العاجلة التي طالبت فيها المحكمة، لذلك سنتوجه الآن لمجلس الأمن، فالمحكمة اتخذت تدابير منع القتل، ولكنها لا تملك أدوات الانفاذ...وحتى لو نطقت المحكمة قرار بوقف اطلاق النار كما كنا نتأمل فهو يكون ملزم ولكن يفتقر لأدوات الانفاذ وصاحب الولاية في إقراره هو مجلس الامن بشكل الدبلوماسية متعددة الأطراف, ما تم في محكمة العدل الدولية أعاد المسؤولية الأخلاقية والقانونية علئ كافة الأطراف بشكل جماعي وبشكل فردي حسب الدبلوماسية الثنائية. 

لم تحكم المحكمة في هذه المرحلة بشأن جوهر القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، وهي ما إذا كانت قد حدثت إبادة جماعية في غزة. ولكنها اعترفت بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية بموجب المادة ٤١, تُعرِّف اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي صدرت في أعقاب القتل الجماعي لليهود في المحرقة النازية، الإبادة الجماعية بأنها "الأفعال المرتكبة بقصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية". تشمل أعمال الإبادة الجماعية المذكورة في الاتفاقية: قتل أفراد الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، وتعمد إلحاق أحوال معيشية بقصد تدمير الجماعة كليًا أو جزئيًا. اعتمدت الجمعية العامة سنة ٢٠٠٥, يوم ٢٧ يناير من كل عام اليوم الدولي لإحياء ذكرئ الهولوكوست والمثير للتاريخ ان المحكمة التي تأسست لإنقاذ البشرية بعد الهولوكوست في القرن ٢٠ هي نفسها اليوم تحاسب دولة إسرائيل علئ ارتكاب نفس الجريمة ضد الشعب الفلسطيني في القرن ٢١. 

قرار المحكمة اليوم استراتيجي فالمحاكم تؤدب المجرمين وتردعهم عن الاستمرار بارتكاب أعمالهم الاجرامية ضد الانسانية. الأهداف النهائية متوسطة وبعيدة المدئ تتطلب مسيرة وجهد وصبر وتكاثف العمل وتكامله بين كل المرجعيات الوطنية المتخصصة لتوظيف كل الأدوات للبناء علئ مخرجات هذا القر ار. ادرك اننا كشعب فلسطيني وامام الكارثة والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة وما نعانيه تحت الاحتلال العسكري نريد وقف فوري لإطلاق النار ولا ترضينا الحلول القضائية والقانونية الموقتة, فالدبلوماسية خذلت الإنسانية امام اعيننا الا انني اوكد علئ اهمية استثمار كافة الوسائل والسبل والأدوات لدحض رواية المحتل ومحاسبته, هذا لا يعني ان المحكمة ستحقق العدالة الحقيقية امام الظلم التاريخي الذي نشهده علئ مدار ٧٦ عام من مشروع كولونيالي استعماري الا ان مثول إسرائيل في المحكمة يعني انتهاء زمن الإفلات من العقاب 

 

 

دلال عريقات: أستاذ مشارك في الدبلوماسية, كلية الدراسات العليا, الجامعة العربية الامريكية.