أن تكون فتحويًا حقًا!

بكر أبوبكر

أغسطس 14, 2025 - 10:28
أن تكون فتحويًا حقًا!


ذكرت بعض وسائط التواصل الاجتماعي أنه كان يهتف باسم حركة "فتح" لغير فلسطين؟! استغربت، فهذه ليست من شِيَم الفتحوي الحَقّ! فعلّق الأخ وسام أحد الكوادر الطالبية الشبيبية الحركية بالقول: من فعل ذلك لا يستحق أن يكون "فتح" أصلاً. قلت له: أن الهتاف يجب أن يكون لفلسطين لا غيرها، كما كان يقول الخالد ياسر عرفات "أبوعمار" للهاتفين بالروح بالدم نفديك يا أبوعمار، مصححًا لهم: بل قولوا بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.
إن الهتاف لأشخاص أيّ كانوا لا قيمة للهتاف ولا قيمة لهم ولا يعني تكبيرًا لهم، لأن فلسطين والقضية، وشعب فلسطين وخدمته والمواقف الوازنة هي المقياس. 
حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح على ما فيها من طحالب ونباتات متسلقة وانتهازيين بالقمة والقاعدة يجب خوض الصراع المتواصل بمواجهتهم داخليًا، لا يمكن أن تكون إلا "فكر وطني ديمقراطي، وحضاري عروبي وسطي، مستقل، تشاركي وحدوي"، شاء من شاء وأبى من أبى. وهي تاريخ وعطاء لا ينضب ومسار ومستقبَل لا يمكن أن تكون تابعة أو ملحقًا لا لدولة ولا لمحور ولا لتنظيم الغفلة بقِلّة عقله وضياع بوصلته، وإبائه الاعتراف بالخطيئة وعدم المراجعة، كما طالبته عدد من قياداته إكرامًا لفلسطين والشعب الفلسطيني المنكوب في نكبته وكارثته العظمى اليوم بغزة وفلسطين، ولكن لا حياة لمن تنادي.
حركة التحرير الوطني الفلسطيني -فتح تقبل الصوت والصوت الآخر، فهي مظلّة لمن لا ظلال له، يحتمي بها، وهي شبَه فلسطين وبنت فلسطين وأم فلسطين كما وصفها آية الله هاني فحص رحمه الله، وهي لا تعمل بعموم فكرها وحضاريتها وفق منظور الفضائيات العرب-صهيونية التهييجية للانفعالات والعواطف دون العقل والتفكير وبذات الوقت التحشيدية التدليسية المعروفة.
هذه الحركة -بعجرها وبجرها- وسوء مواقف عدد من قياداتها وتأخرها، وتخبط الآخر وشيخوخة الثالث ليست مثل ذاك الذي شمّع عقله وجمّد فكره وتناسى معاناة شعبه وانتصر لنزَقَه ولضيق خياراته وحزبيته المقيتة تحت شعارات لا تُغني ولاتُسمن من جوع حرفيًا. 
إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح أكبر من كل قياداتها أصلاً (والشعب الفلسطيني أكبر من كل قياداته كما كان يردد أيضا الخالد ياسر عرفات)، فقال الأخ وسام: لم يكن يجوز لأي فرد يختلف مع الحركة أن يهتف لشخص زائل أولفصيل آخر، وإن فعلها فليكمل مسيرته وينضم لهذا الفصيل.
قلت: أن التنظيم الحركي "التزام أخلاقي وعمل تطوعي"، فالانتماء طوعي وليس الزامي والتنظيم فكر وأخلاق ورسالة ونضال وعمل دؤوب وإبداع لا يتوقف بكل الصور والأساليب الناجعة لأجل فلسطين. 
قال الأخ وسام: إن مَن قام مُحرّضًا، أو مَن قاموا بالتساوق معه بالهتاف لغير فلسطين عددهم ضئيل، وان افترضت أنهم ينتمون للحركة كما يقولون فكان الأجدر بهم مخاطبة قيادتهم بكل الأشكال، وأن يقولوا ذلك علنًا وبحضرتهم مباشرة بلا خوف ولا وجل فهذه هي "كلمة الحق عند سلطان جائر" كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
قلت للأخ وسام: نعم، وأضيف أن الفصيل الذي لايفهم معنى الديمقراطية (الشوروية) ولا يفهم النقد والنقد الذاتي، ومراجعة النفس ومحاسبتها وتقويمها، ويفترض بذاته وزعمائه الرُشد المطلق والقداسة! ويقتل المعارضين، ويمنع الانتخابات ويغلق العقول، ويُقصي الآخرين عن جنّته! هو فصيل لا يمثل الشعب الفلسطيني، وإن مثّل أتباعه ومريديه، وصفّقت له "الفارغات رؤوسهن شوامخ".
مخففًا من حِدة نقده وبكلمات جارحة لا أقرّها أبدًا أشرتُ له بالقول: إن حق الاختلاف والمعارضة في حركة فتح موجود، وأحيانًا لحد الفوضى! وأحيانًا بتشدد مرذول، وله أشكال تعبير متعددة منها النقد الهامس، والنقد والنقد الذاتي (الداخلي) الذي يُحضّ عليه، والنقد الصارخ للمواقف خارج الإطار أحيانًا في الحد الاقصى، ولكن بالتزام آداب الحوار والاختلاف العشرة. وإن النقد لا يكون بلا هدف حركي واضح أساسه التقويم والاصلاح وليس الهدم، أي يجب ألا يكون بمنطق المناكفات أو التنفيس أو الهبل أوالتساوق مع المتربصين أو لسوء تقدير، أو بذيلية لفصائل أولأشخاص ذوي نزعات مصلحية ابتليت فيهم فلسطين عامة، أوابتليت بهم الحركة من الطفيليات والنباتات المتسلقة "السلطوية" سواء في أطر القيادات أو الكوادر. 
قال الأخ وسام: إن جسم الحركة بكافة الأطر ومنها الطالبية والشبيبية لم يعد يشكل كتلة تنظيمية بقدر ما هي كتلة شعبية انفعالية عاطفية، غير واعية ولا مثقفة تتأثر بالمعطيات الفضائية التجييشية التعبوية لجهة، وبالتالي أراهم يتصرفون وفق ذلك، وعليه فان هؤلاء يحق تسميتهم حشودًا أو جماعات تتنفس ضمن الدائرة الكبيرة للحركة.  
قلت لوسام: وهذا ليس خطأهم بل خطأ القيادة أساسًا لانفصال بعضها عن التنظيم=الكتلة البشرية المنظمة، وانفصالها عن الناس، ولعدم المتابعة الحقة ولانعدام التثقيف والتربية والتعبئة...، وأضفت أنه يمكنك الإطلاع على الكتب الكثيرة حول الحركة وفكرها وروّادها، وهذا واجب -وليس خيار- نحو ذاتك وبلدك وحركتك العظيمة، ويمكنك الرجوع لكتبي، أو مدوناتي ومقالاتي على الشابكة حول ذلك، وغيري من كتّاب الحركة أومفكريها أو مثقفيها أو كوادرها وقادتها النبلاء الذين لم يتركوا خطيئة أو إساءة أو سقطة "نظرية"، أو عملية في أي من مواقف قادة الحركة إلا ورصدوها وعلّقوا عليها وانتقدوها بالتزام ووعي، وحيث وجب مكانًا وزمانًا وظرفًا، دون إسفاف كالآخرين الذين أدمنوا الشيطنة للمختلِف والفُحش والتخوين والتكفير. 
حاولت أن أختم المحادثة القصيرة مع الأخ وسام فقلت: ليفهم كل عضو وكادر حقّ في الحركة -أو يفترض أنه منتمٍ لها ولم يقسم القسم بحقه-أن الانتماء والالتزام بالحركة لفلسطين فقط وتحريرها، وعلى ذلك أقسمنا (أقسم أن أكون مخلصًا لفلسطين=قسم الحركة) وليس لذات الحركة (الوسيلة من أجل فلسطين)، وبالقطع ليس لأشخاص بالقيادة أو غيرها، لذا يمكننا أن نختلف أونتفق معهم في مواقف متفاوتة، وليعي كل من انتمى أوسينتمي للحركة أن لاقدسية لأشخاص، ولاقدسية لمواقف، وإنما الفكرة الفتحوية الوطنية وقيم الحركة والبرنامج والنظام هي الرابط والجامع. وليفهم أيضا أن النقد والمراجعة والنقد الذاتي والحوار والديمقراطية هي أحد أهم أسباب عظمة الحركة التي تُشكّل الفتحوي الحقّ، وهي التي تحتضن وتستوعب الجميع وتجعل من تناقضاتهم داخلها مساحة تفاعل وصراع وتدافع، أو تسامح وابداع أو توافق وتناغم مطلوب ليطّل النصر القادم بإذن الله سبحانه وتعالى من تحت ظلال زيتون فلسطين.  
https://bakerabubaker.net/