عشية لقائه ولي العهد السعودي ترمب يؤكد أن السعودية ستحصل على مقاتلات إف-35

نوفمبر 18, 2025 - 09:45
عشية لقائه ولي العهد السعودي ترمب يؤكد أن السعودية ستحصل على مقاتلات إف-35

أثار تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب عشية لقائه بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض الثلاثاء، بأن السعودية "ستحصل على مقاتلات إف-35" موجة واسعة من الجدل في واشنطن وتل أبيب والرياض، بعدما أوحى كلامه بأن الولايات المتحدة قد تتجه إلى تجاوز الشرط الإسرائيلي التقليدي الذي يربط منح هذه المقاتلات المتقدمة بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. فهذا الإعلان، الذي جاء في لحظة سياسية أميركية حساسة، أعاد فتح ملف التسليح المتطور في الشرق الأوسط، وطرح أسئلة جديدة حول توازنات القوة في المنطقة ومستقبل المقاربة الأميركية للتحالفات الإقليمية.

يشار إلى أنه منذ عقود، يشكل مبدأ الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل إحدى ركائز السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وهو مبدأ مُقنّن في القانون الأميركي ويلزم الإدارة بأن تؤكد للكونغرس أن أي صفقة سلاح ضخم لدولة عربية لن تضعف التفوق العسكري الإسرائيلي. وقد استخدمت واشنطن هذا الالتزام إطاراً يضمن لإسرائيل الاطمئنان في مواجهة بيع الأسلحة المتقدمة لجيرانها العرب، مع الحرص في الوقت ذاته على إبقاء العلاقات الأمنية مع دول الخليج في مستوى يوازن التهديد الإيراني المتصاعد. لذلك، كان ربط بيع مقاتلات إف-35 للسعودية، خلال السنوات الماضية، بمسار التطبيع جزءاً من أدوات الضغط السياسي التي لجأت إليها واشنطن لجرّ الرياض نحو انضمامها إلى "اتفاقات أبراهام".

إلا أن تصريح ترامب يُلقي بظلال الشك على ثبات هذه المقاربة. فقد بدا أنّه يميل إلى فصل مسار التسليح عن المسار السياسي، في انسجام مع منهجه المعروف خلال ولايته الأولى، حين قدّم اعتبارات الصفقة والمصلحة المباشرة على الحسابات الدبلوماسية بعيدة المدى. ويطرح هذا توجهاً جديداً مفاده أن تعزيز القدرات الدفاعية السعودية يمكن أن يتمّ من دون الحاجة إلى خطوات سياسية مسبقة، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل. غير أن هذا الطرح يصطدم مباشرة بالمؤسسة السياسية الأميركية، ولا سيما بالكونغرس.

فحتى لو تبنّت الإدارة المقبلة هذا النهج، فإن تمرير صفقة بحجم تسليم مقاتلات إف-35 للسعودية يتطلب موافقة الكونغرس، وهو ما لم يكن مضموناً في السنوات الماضية، ولا يبدو مضموناً الآن. فالعديد من أعضاء الكونغرس من الحزبين باتوا أكثر انتقاداً للعلاقة مع السعودية بسبب سجل حقوق الإنسان، وتداعيات الحرب في اليمن، والمخاوف من تسرب التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، فضلاً عن الهاجس التقليدي المتعلق بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي. وفي حال تقدمت الإدارة بطلب رسمي لبيع المقاتلات للرياض، فمن المتوقع أن تشهد واشنطن نقاشاً سياسياً محتدماً قد يشمل جلسات استماع وتحركات تشريعية تهدف إلى فرض شروط أو إعاقة الصفقة كلياً.

في المقابل، ترى إسرائيل أن حصول السعودية على مقاتلات إف-35 دون مقابل سياسي واضح يُضعف إحدى أهم أوراق الضغط التي تمتلكها واشنطن لدفع الرياض نحو التطبيع. وتعتبر تل أبيب أن التطبيع مع السعودية ليس خطوة رمزية، بل مكسباً استراتيجياً قد يغيّر التوازنات الإقليمية على المدى البعيد. لذلك، تخشى بأن يؤدي تمرير الصفقة دون شرط سياسي إلى تقويض هذا الهدف، وإلى تقليص قيمة الورقة التي لطالما اعتبرتها إسرائيل مركزية في بناء بنية أمنية جديدة في المنطقة. ومن المرجح أن تكثف الحكومة الإسرائيلية تحركاتها الدبلوماسية في الكونغرس والبيت الأبيض من أجل منع الصفقة أو ربطها بشكل صريح بتقدم سياسي ملموس.

أما السعودية، فتنظر إلى المقترح من زاوية مختلفة تماماً. فالمملكة تسعى منذ سنوات إلى تحديث منظومتها الدفاعية وتعزيز قدراتها الجوية في مواجهة التحديات الإقليمية، وفي مقدمها التهديد الإيراني وأذرعه في المنطقة. وتعتبر الرياض أن الحصول على مقاتلات إف-35 أو تقنيات مماثلة ضرورة إستراتيجية، وليست جزءاً من مقايضة سياسية. وفي الوقت ذاته، لا ترغب المملكة في أن يظهر التطبيع ـ إن حصل مستقبلاً ـ وكأنه نتيجة ضغط أميركي مباشر أو ثمناً لسلاح متقدم، بل خطوة نابعة من حسابات أوسع تتصل بالملف الفلسطيني، والأمن الإقليمي، ومستقبل العلاقات السعودية الأميركية.

ويشير مراقبون إلى أن تصريح ترامب يعكس لحظة إعادة تشكّل في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة التي تسعى إلى تقليص انخراطها العسكري المباشر في المنطقة، تحاول في الوقت نفسه الحفاظ على علاقاتها مع حلفائها التقليديين، وفي مقدمتهم السعودية. لكن هذا التوازن لم يعد سهلاً في ظل تعدد مراكز القوة الإقليمية، وصعود أدوار منافسة دولياً، وتراجع قدرة واشنطن على استخدام أدوات الضغط التي كانت فعالة في السابق.

وفي هذا السياق، تبدو صفقة إف-35 أكثر من مجرد صفقة سلاح، بل اختباراً لمعادلة سياسية جديدة تُحدّد ما إذا كانت واشنطن قادرة على الحفاظ على التزاماتها التاريخية تجاه إسرائيل، مع تلبية طموحات السعودية الدفاعية، من دون التضحية بمسار التطبيع أو النفوذ الأميركي في المنطقة. وبين حسابات الكونغرس، وحساسية إسرائيل الأمنية، وطموحات السعودية الإستراتيجية، تبدو واشنطن مقبلة على تحدٍّ دقيق قد يحدد شكل المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، وحدود الدور الأميركي فيه، وطبيعة التحالفات التي ستتشكل في ضوء هذا القرار.