ميكافيلي الدستور

عيسى دياب

نوفمبر 17, 2025 - 21:50
ميكافيلي الدستور

ميكافيلي الدستور

تروى الرويات كما كنا نسمعها في صغرنا أن " في الماضي السحيق " وغالباً ما تشير هذه المقدمة على شيء لم يعد موجوداً في الزمن الحاضر والرواية تحتمل الإختلاق والتضليل والإيهام والأساطير التي لن يشهد عليها أحد لأن شهدائها ماتوا إلا كتاب ميكافيلي الأمير الذي إجتمع فلاسفة وأدباء العالم على بغضه وإحتقار ما فيه من تسلط ونفوذ السلطة الحاكمة بالأزلام والمنافقين والتجار والمنتفعين بمعنى مهذب "النبلاء".

لم يجتمع الناس منذ القدم على رفض قصة التنين الذي ينفث اللهب أو الوحش والجميلة رغم أنها أساطير ينغمس في قرائتها المراهقون ورفضوا مضمامين كتاب الأمير الذي ترى فقراته وانت تسير في الطرق وفي عملك وفي النظام القائم وحتى في بيتك، فأنت كلما نشدت الحرية والعدالة العامة و تطبيق الأنظمة والقوانين ترى ميكافيلي بصورته الشيطانية يوسوس في رأس من أمامك بمفرادت التسلط والدهاء للتحكم في دقائق حياتك لعلها تكون بلا النتيجة المرجوة في مخيلتك ذلك لأن ميكافيلي هو دستور ثابت في الحياة السياسية الداخلية والدولية.

المشكلة ليست في كتاب الأمير بقدر ما هي واقع مرير يتكرر في كل زمن حيث يعيد أفراد معاصرين تجسيد ذات المسيرة في التزلم وتشكيل الأصنام ليذبحوا على النصب ويجمعوا من تحت أقدام ذاك الصنم اللحوم والعظام التي يدفع ثمنها الرعية ولا يعرفون طعمها، وفي كل زمن تستجد فيه هذه النوعية ترافقها أيضاً شخصيات تنشد النظم والقوننة والعدالة وسيبقى هذا الصراع قائماً إلى أن ينفخ في الصور ذلك اليوم الذي ترى فيه القلوب مرأةً تكشف لك كره وكيد من إدعى محبتك وإحترامك.

عندما بدأ الرسول محمد صلَّ الله عليه وسلم رسالته نكره كثير وتنكر له الكثير ومع إقتراب أجله أنزل الله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات او قتل إنقلبتم على أعقابكم "  وعند وفاته قال سيد الصحابة أبا بكر رضوان الله عليه " من كان يعبد محمداً فإنه قد مات ومن كان يعبد الله فإنه حيٌ لا يموت " أنظر إلى بدايات الدعوة فيها التأكيد أن البعض إستفاد من قربه من الرسول ومنهم من إنقلب وحارب الدين وتلزم لأخرين.

وهذا ما يحدث! فقد تنتدهش من واقع شخص يقدس شخص ويكيل بالشتائم ويظهر العداء لمنافس أخر حتى إذا ما هلك المقدس عنده تراه في لحظة قابعاً تحت أقدام المنافس ويحمله على كتفيه حتى يطوعه!

الحقيقة أن هذه السُنّة في الحياة يجب أن تكبل بالقوانين الصارمة  اذا ما أراد العالم أن يكون مكاناً أمناً يتميز فيه الإنسان على الحيوان بالعدالة والأمن والتقدم، فهناك مثل يقول إن الغبي من لا يؤمِن ويعمل لأخرته! فالإيمان بالعمل هو نقطة الإنطلاق للوصول لا التزلم والتملق والإنتقال إلى كل رواق مستجد ليصنع من المسؤول الجديد مصباح علاء الدين ينفذ أمنياته.

ولكن من المهم جداً القياس على ذات الشخص الذي يتقبل هؤلاء زمرة له لأنه أيضاً يتشارك معهم الطموح؟ هم طموحهم النفوذ وهو طموحه البقاء، لذلك يطبقون نصائح ميكافيلي فالأمير يجمع حوله المنافقين حتى يبقى أميراً ويقطع دابر الأقوياء.

لا يمكن لأمةً أن تضع كلابها في القصور وتترك مفكريها على الحدود، في الدول المتقدمة يجذبون أقوياء الشوارع ويصنعون منهم رجال أمن يطبقون القانون في الشوارع ويصنعون منهم حرس حدود فتأمن الشوارع من شرهم بشرهم الخاضع للقوانين فيدرس الطالب ويكتب الكاتب ويغني المغني ويبتكر المهندس ويخترع المخترع ويطير المجتمع تقدماً ونحن نعمق الحفرة التي وجدنا فيها وسنورثها لأجيالنا.
عيسى دياب