إنهاء الحرب على غزة.. معضلة يخشاها الجميع

أكثر من سبعة أشهر وآلة الدمار الإسرائيلية تطحن غزة وأهلها طحناً، في مشاهد تدمي القلوب وتغم النفوس أمام أنظار وأسماع العالم كله، في مواقف مخزية تنم عن انهيار وتغييب منظومة القيم الإنسانية من هذا العالم أجمع. ورغم مرور هذه المدة الطويلة في حرب على أناس عزل يسكنون بقعة صغيرة معدومة الإمكانيات ومحاطة بالجدران من كل زاوية، ومحاصرة من كل المحيطين، نجد أن دولة الاحتلال لا تريد وقف حربها المسعورة الظالمة هذه. والمتتبع بتمعن يجد أن هذه الحرب ليست حرب دولة الاحتلال وحدها، بل هي حرب كافة الأطراف المعنية بمنطقة الشرق الأوسط مجتمعة. والمدقق أيضا يجد أن هذه الأطراف كافة تريد استمرار هذه الحرب وعدم توقفها حتى الوصول لما يسموه "اليوم التالي لما بعد غزة"، أي كل الأطراف تريد إنهاء ملف غزة وقضيتها بالتدمير والتغيير الكلي على مستوى غزة.
لكن دولة الاحتلال مع الأطراف المعنية تواجه معضلات كبيرة إذا تم ايقاف هذه الحرب دون إحداث تغيير على سيطرة "حماس" على القطاع وهزيمة المقاومة، فلذلك كانت مصالح هذه الأطراف مجتمعة أهم في نظرها من شلالات الدماء المُراقة في غزة وأهم من كافة القيم الإنسانية ومفاهيم الحضارة التي تدّعيها هذه الأطراف، فلذلك سيُطيل الاحتلال حربه على كل مظاهر الحياة في غزة، فالاحتلال يعتبر إنهاء الحرب دون إطلاق أسراه وبدون ثمن أو إنهاء القوة العسكرية للمقاومة هزيمة نكراء. وانتهاء الحرب بالنسبة لنتنياهو مشكلة، لأنه سيخضع للمساءلة وعليه ملفات فساد وقد ينتهي به الأمر إلى السجن، فلذلك نجد المراوغة كلما تم الحديث عن صفقة أو هدنة.
وانتهاء الحرب وفق معادلة اليوم معضلة أيضا بالنسبة لأمريكا، لأنها لا تريد لأي نفس يحمل الصبغة التحررية وخاصة الإسلامية أن يحقق أي نجاحات تُذكر، لأن ذلك مدعاة لتوسع رقعة التحرك في المنطقة ضد الغرب ومشاريعه ومصالحه. وإنهاء الحرب في ظل حالة الثبات والتحدي التي يجسدها أهل غزة أيضا، لا يريدها حكام وزعماء المنطقة، لأنهم يستشعرون أن أي نتائج إيجابيه ملموسة على أرض الواقع يحققها مجاهدو غزة، هي بمثابة "عدوى" ستنتقل لدولهم وشعوبهم. لذلك سيبقى أهل غزة يدفعون فاتورة هذه النظرة والمعضلات المركبة من دمائهم وحياتهم. لكن الألم الأكبر يتجسد في حالة التخلي والتواطؤ التي يمارسها ذوي القربى مع أهل غزة خاصة وأهل فلسطين عامة. تبقى قضية فلسطين مسؤولية الأمة بمجموعها ستُسأل وتُحاسب عليها، وستكون نقطة سوداء في سجل أصحاب القرار من أبناء جلدتنا.
-----------
سيُطيل الاحتلال حربه على كل مظاهر الحياة في غزة، فالاحتلال يعتبر إنهاء الحرب دون إطلاق أسراه وبدون ثمن أو إنهاء القوة العسكرية للمقاومة هزيمة نكراء.