22 عاما على مبادرة السلام العربية وما زال العرب يستجدون
اثنان وعشرون عاماً على إطلاق مبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية في العاصمة اللبنانية عام 2002، وأطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي تبنى فيها العرب السلام خيارا استراتيجيا يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاما مقابلا تؤكده دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا الصدد، مستبعدين أي حلول عسكرية لتحرير فلسطين، وبموجبها يزول الاحتلال عن جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مقابل التطبيع بين الدول العربية ودولة الكيان.
قمة كانت قد انعقدت في ظروف استثنائية كسابقاتها، وبغياب الزعيمين، المصري حسني مبارك والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، وكانت القضية الفلسطينية في حينه تمر بظروف صعبة، حيث اجتياح اسرائيلي كامل للضفة الغربية رافقه مجازر ارتكبتها قوات الاحتلال في جنين ورام الله ونابلس وأنحاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، سبقها حصار مطبق على القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات، والذي منع حينها من حضور هذه القمة، وكانت كلمته لنظرائه عبر الهواء، حيث لم يستطع أي زعيم عربي من ممارسة الضغوط المطلوبة لارغام قيادة الاحتلال الإسرائيلي (على رأسها رئيس الوزراء في حينه ارئيل شارون) من الإلتزام بالاتفاقيات المبرمة وعدم عرقلة أداء القيادة الفلسطينية واجباتها، وربما كان هناك دور لبعض من القادة العرب في إبقاء الحصار على الرئيس أبو عمار في محاولة للضغط عليه والقبول بتقديم تنازلات، امتثالا للرغبات الأمريكية التي كانت تريد تنحي عرفات من الواجهة السياسية باعتباره عقبة امام المخططات الامريكية الصهيونية.
مع إطلاق المبادرة العربية، تبيانت حينها ردود الفعل العالمية ما بين مؤيد ومحايد ومعارض، أبرزها كان ترحيب إدارتي الرئيسين الامريكيين بوش الإبن ومن بعده أوباما، ولكن دون إجراءات عملية تقضي بتنفيذ هذه المبادرة ، أو أي من بنودها، ما شجع دولة الكيان للامعان في عدوانها، متذرعة بضرورة القضاء على ما أسمته "الارهاب الفلسطيني" ، ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة، لم يجر أي اختراق في مجال تنفيذ هذه المبادرة، حتى أنها أخذت بالتلاشي والذوبان في التغيرات الدراماتيكية والتحولات في النظام الرسمي العربي.
عربيا، تلاشت أنظمة عن الوجود، وتفتتت أقطار جراء الصراعات المفتعلة والتي كانت نتيجة مؤامرات دولية نالت منها تحت مسمى "الربيع العربي "، أما فلسطينيا، فقد قضى الرئيس ياسر عرفات بعد سنوات من الحصار، وحل مكانه الرئيس محمود عباس بانتخابات عامة تلاها فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، ما أثار حفيظة وضغينة البعض من الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، تلاها انقسام فلسطيني فلسطيني أدى إلى انفصال جغرافي وسياسي واقتصادي بين قطاع غزة والضفة الغربية، تلاه أكثر من عدوان عسكري شنته دولة الكيان على قطاع غزة، استهدف البشر والحجر معا وزاد من حدة الاحتقان الفلسطيني الفلسطيني، وتوج بحرب إبادة جماعية في أكتوبر الماضي، تلت عملية طوفان الاقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، والتي جاءت بعد أكثر من ثلاثين عاما من المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والعربي من جهة، والاسرائيلي من جهة أخرى، لم تسفر الا عن خسائر فلسطينية بالجملة في شتى المجالات، ومن أبرز هذه الخسائر:
1 . تنصل دولة الكيان من بنود كثيرة من اتفاق إعلان المبادىء المعروف باسم " اوسلو "، والابقاء على ما يمكن أن تبتز السلطة الفلسطينية فيه وتستخدمه لصالحها، حتى يمكن القول أن السطلة باتت بلا سلطة وأراضيها المعروفة بمناطق " A " باتت مستباحة تسرح فيها قوات الاحتلال وتمرح دون أي رادع.
2 . تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية وزيادة مساحات وعدد المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية، حيث من المتوقع أن يصل عدد المستوطنين خلال عامين إلى أكثر من مليون مستوطن.
3 . إفلات قطعان المستوطنين بقرار إسرائيلي رسمي وتسليحهم ليعيثوا فسادا وخرابا وقتلا وتدميرا.
4 . تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية عبر قرارات مصادرة وبوابات حديدية وحواجز احتلالية.
5 . حصار اقتصادي إسرائيلي مطبق على الشعب الفلسطيني وسلطته، واحتجاز وقرصنة الأموال الفلسطينية، حيث باتت السلطة عاجزة عن تسديد التزاماتها تجاه أبناء شعبها، وعلى رأسها فاتورة الرواتب .
6 . حالة من الشلل والانفصام بالشخصية، أصابت الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة أطيافها، وتراجع الأداء التعبوي الثوري التنظيمي، ما خلق فجوة بين رأس الهرم في هذه الحركة وقاعدتها.
وعلى الصعيد العربي، فإن دول عربية عدة، ممهور توقيعها على المبادرة العربية والتزمت بها، انقلبت عليها وسلكت طريقا منفصلا بالتوصل إلى اتفاقيات سلام وتطبيع مع دولة الكيان، كالامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ما أضعف من مكانة القضية الفلسطينية وتراجعها في سلم الأولويات الرسمية العربية، في خطوة معاكسة لموقف الشعوب العربية التي لم ولن تتوانى عن تقديم ما تملك من غال ونفيس لأجل فلسطين وشعبها.
22 عاما على مضت على مبادرة السلام العربية، وأكثر من سبعة شهور والشعب الفلسطيني يواجه حرب إبادة جماعية وسياسة عنصرية واضحة، والأنظمة العربية الرسمية تتوسل لدى دولة الكيان وراعيها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ولكن دون رد، بل تجاهل إسرائيلي واضح، ومواقف دولية مخادعة كذر الرماد في العيون، والموقف العربي والفلسطيني من خلفه يراوح مكانه، وفي تراجع، ولا يعدو عن بيانات الإدانة والشجب والاستنكار والاستجداء، وذلك لان العرب اتخذوا من السلام وحده خيارا استراتيجيا بالرغم من الإمكانيات الحربية والثروات المادية والخبرات العلمية والعملية التي يمتلكونها، إلا أن المجتمع الدولي ما زال ينظر إليهم باستخفاف، ويتخذ من الحلبة العربية حقلا واسعا لتجاربه والتي تأتي ضمن هدفين، أولهما تجربة أسلحة جديدة ومدى فعاليتها، والآخر، مزيد من التفتيت والتشرذم العربي.
في ضوء ما سبق، وإن كان العرب حقا جادين في دعمهم لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، عليهم استغلال تراجع مكانة دولة الكيان في المجتمع الدولي ونزول ملايين الطلبة والجماهير في أمريكا وأوروبا تنديدا بالجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، أفضل استغلال والشروع بحملة دبلوماسية أكثر جدية وشديدة اللهجة، لفضح السياسات العنصرية والجرائم الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال، والتي تتساوى والمحرقة اليهودية في عهد النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية، واستخدام كافة أوراق الضغط بحوزتهم وبالتنسيق مع الجانب الفلسطيني بكل أطيافه، المطالب أيضا بالتعالي على الجراح وتوحيد مواقفه ونبذ الفرقة، والتلويح بتهديد المصالح الأمريكية والأوروبية، وليس بالضرورة أن يكون التهديد عسكريا إنما سياسيا واقتصاديا، لإحراج المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وإلزام دولة الكيان بها، وإلا فان العرب لن يخرجوا من دائرة الاحتقار الإسرائيلي والدولي ومبادرتهم لم تعد تساوي الحبر الذي كتبت به.
-------------------------
العرب اتخذوا من السلام وحده خيارا استراتيجيا بالرغم من الإمكانيات الحربية والثروات المادية والخبرات العلمية والعملية التي يمتلكونها، إلا أن المجتمع الدولي ما زال ينظر إليهم باستخفاف، ويتخذ من الحلبة العربية حقلا واسعا لتجاربه والتي تأتي ضمن هدفين، أولهما تجربة أسلحة جديدة ومدى فعاليتها، والآخر، مزيد من التفتيت والتشرذم العربي.