بعد موافقة الكنيست على خطة ترامب… هل انتهت حرب إسرائيل على غزة؟

أبو شريف رباح

ديسمبر 4, 2025 - 13:26
بعد موافقة الكنيست على خطة ترامب… هل انتهت حرب إسرائيل على غزة؟

بعد موافقة الكنيست على خطة ترامب… هل انتهت حرب إسرائيل على غزة؟

أبو شريف رباح
4/12/2025

أعاد تبني كنيست الاحتلال الإسرائيلي لخطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة رغم غياب بنيامين نتنياهو وأعضاء أحزاب اليمين المتطرف طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل العدوان على القطاع وحول ما إذا كانت هذه المصادقة تمثل بداية النهاية لأطول وأعنف حرب شهدتها غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وفي وقت ما زالت غزة تكافح للبقاء تحت ركام الدمار ورائحة الموت يترقب الفلسطينيون والعالم ما إذا كانت الخطوة مناورة سياسية داخل إسرائيل أم تمهيدا حقيقيا لإنهاء حرب أبادت البشر وسحقت الشجر ودمرت الحجر.

وتستند الخطة التي صوت عليها الكنيست إلى مجموعة من البنود المعلنة وغير المعلنة، وتشمل وقفا لإطلاق النار مع إمكانية تمديده، وانسحابا تدريجيا للقوات الإسرائيلية من عمق غزة مع إبقاء السيطرة على بعض النقاط الحدودية، إضافة إلى صفقة تبادل تشمل جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات مقابل دفعات من الأسرى الفلسطينيين، كما تتضمن إدخال مساعدات إنسانية وإطلاق عملية إعمار تخضع لرقابة أميركية ودولية، وإشرافا دوليا وعربيا على المعابر، وإعادة ترتيب الأجهزة المدنية والإدارية داخل القطاع، إلى جانب تشكيل إدارة انتقالية لا تتبع لحماس أو للسلطة الفلسطينية.

أما البنود غير المعلنة فتتضمن إقامة منطقة عازلة داخل غزة لعدة سنوات، ونشر قوات عربية رمزية لضمان الأمن ومنع تجدد المواجهات، وتجميد تسليح الفصائل مع رقابة أميركية صارمة، وربط الإعمار بالالتزام السياسي والأمني من جانب الفلسطينيين، مع إبقاء الحق لإسرائيل والولايات المتحدة في تنفيذ عمليات محدودة داخل القطاع عند الضرورة، بالإضافة إلى تفاهمات إقليمية تمهد لمرحلة تطبيع جديدة مقابل تنازلات إسرائيلية شكلية.

هذا الإطار العام للخطة يفتح الباب أمام سؤال مركزي، هل تعني مصادقة الكنيست بدء العد التنازلي لنهاية الحرب؟ الواقع يشير إلى وجود تصدع واضح داخل المنظومة السياسية الإسرائيلية خصوصا في ظل الضغوط الأميركية المتزايدة على الحكومة الإسرائيلية بسبب الفشل الميداني وتعاظم الكلفة العسكرية والسياسية التي تتكلفها الإدارة الأمريكية كما إن تبني الخطة يعكس تحولا في مزاج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي باتت ترى استمرار الحرب عبئا ثقيلا واستنزافا خطيرا للجيش الإسرائيلي، ومع ذلك لا يعني القرار وقفا فوريا للعدوان، بل بداية لمسار قد يطول إذ أن إسرائيل اعتادت تجزئة الاتفاقات وتأجيل تنفيذها بما يخدم حساباتها ومصالحها. 

وغياب نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفة عن جلسة التصويت يكشف مأزقا سياسيا عميقا وهروبا من تسجيل اسمه كزعيم اضطر تحت الضغط الأميركي إلى وقف الحرب، كما يشير إلى اتساع التوتر بينه وبين شريكيه في اليمين المتطرف بن غفير وسموتريتش، فيما تبدو المعارضة الإسرائيلية بقيادة يائير لابيد أقرب من أي وقت مضى إلى دفع نتنياهو نحو أزمة قد تنتهي بسقوطه خصوصًا إذا رفعت واشنطن غطاءها السياسي عنه.

أما سبب ضغط ترامب لإنهاء الحرب الآن فيرتبط برؤية تتجاوز غزة نحو مرحلة عالمية جديدة إذ تستعد واشنطن لعمل عسكري واسع ضد فنزويلا بعد فرض حصار بحري وجوي عليها، في محاولة للسيطرة على ثرواتها النفطية والمعدنية، ومع انشغال الولايات المتحدة بحرب محتملة بهذا الحجم قد يتم تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط وسحب القوات التي تدعم إسرائيل في ضرب اليمن وإيران وتحويل مصانع السلاح الأميركية والأوروبية نحو الجبهة الجديدة، بما يقلل الإمدادات لإسرائيل، لذلك يسعى ترامب إلى إغلاق الجبهات المشتعلة في المنطقة والدفع نحو وقف الحرب في غزة واحتواء التوتر في لبنان، تمهيدا لفتح جبهة فنزويلا التي تراها واشنطن كنزا استراتيجيا على غرار العراق وأفغانستان.

ويبقى السؤال الأهم، هل ستتنفس غزة بعد هذا القرار؟ الحقيقة أن الخطوة تشكل منعطفا سياسيا مهمًا، لكنها لا ترقى إلى مستوى السلام وقد تشهد غزة فترة هدوء نسبي لكنها قد تتحول إلى هدنة طويلة تستخدم لترتيب أوراق الاحتلال، والخشية أن يتحول وقف إطلاق النار إلى حصار مشدد بدل القصف، وهو شكل آخر من أشكال الحرب، ومع ذلك فإن تبني الكنيست للخطة الأميركية يفتح الباب أمام مرحلة أقل دمًا وأكثر سياسية وقد يسمح لأهل غزة بالتقاط أنفاسهم ولو مؤقتا بعد أكثر من عامين من الرعب والموت والدمار، وبين الضغوط الأميركية والانقسامات داخل إسرائيل والتوترات الإقليمية ومشاريع ترامب العابرة للحدود، يبرز مشهد معقد قد يحمل بوادر نهاية حرب غزة لكنه لا يضمن بداية سلام حقيقي، ليظل أهل القطاع وحدهم من يدفعون الثمن الأكبر بانتظار يوم يشرق فيه الأمل بعيدا عن رائحة البارود والموت.