منظمة التحرير… القلعة الوطنية التي تتكسر عليها سهام المتطاولين

بقلم : الإعلامي فراس الطيراوي / شيكاغو 

ديسمبر 4, 2025 - 13:27
منظمة التحرير… القلعة الوطنية التي تتكسر عليها سهام المتطاولين

منظمة التحرير… القلعة الوطنية التي تتكسر عليها سهام المتطاولين

بقلم : الإعلامي فراس الطيراوي / شيكاغو 

ليست منظمة التحرير الفلسطينية مجرد مؤسسة سياسية وُلدت بقرار؛ إنها الخيمة التي احتمى بها الشعب الفلسطيني منذ اللحظة الأولى للنكسة، والكيان الذي أخذ على عاتقه مهمة إعادة بناء الهوية الوطنية من بين ركام اللجوء والمجازر والتيه.
ومع ذلك، تُستهدف المنظمة اليوم بحملات تشويه متزايدة، بعضها بدافع الجهل، وبعضها بدافع الإحباط، وبعضها للأسف يتقاطع موضوعيًا مع الرؤية الإسرائيلية التي لم تتوقف يومًا عن محاولة هدم هذا الإطار الجامع.

في هذا المقال نضع الأمور في نصابها، ونردّ علميًا وسياسيًا وأخلاقيًا على موجة الخطابات التي تسعى للنيل من المنظمة: من تصريحات عريب الرنتاوي، إلى توصيف الأكاديمي د / رشيد الخالدي، وصولًا إلى تدخلات مروان المعشر.

…………

عريب الرنتاوي… خطاب يردد ما تبحث عنه إسرائيل

الهجوم الأخير على منظمة التحرير بدأ من أصوات تصر على تصويرها ككيان منتهي الصلاحية، ومن أبرزها عريب الرنتاوي.
الرجل يقترب بخطابه من الرؤية الإسرائيلية التي طالما حاولت نزع الشرعية عن المنظمة واستبدالها بأطر بديلة مُفكِّكة، لا تملك جذورها التاريخية ولا شرعيتها الوطنية.

الرنتاوي يصف المنظمة كأنها فشلت وانتهت، لكنه يتجاهل حقيقتين جوهريتين:

أولًا: أنها الإطار الوحيد الذي يجمع الفلسطينيين في الشتات والداخل رغم الانقسام والجغرافيا والحصار.
ثانيًا: أنها لا تزال الممثل الشرعي والوحيد الذي يعترف به العالم بلا استثناء.

النقد مشروع، أما محاولة تصوير البيت الوطني على أنه عبء أو “مؤسسة متآكلة” فهو انزلاق نحو خدمة الرواية الإسرائيلية مباشرة أو من حيث لا يدري.

……….

د. رشيد الخالدي… احترام للشخص واختلاف جذري مع الطرح

تصريح المفكر والأكاديمي الكبير رشيد الخالدي بوصف قيادة المنظمة بأنها “مجموعة من المرتزقة” كان صادمًا، خصوصًا أنه صادر عن أحد أبرز مؤرخي القضية الفلسطينية.
ونحن إذ نحترم الرجل وقيمته ومسيرته الفكرية، إلا أن ما قاله لا يمكن قبوله سياسيًا ولا أخلاقيًا.

فالخالدي يعلم قبل غيره أن منظمة التحرير ليست مجموعة أفراد، بل حركة شعب بأسره، وأن آلاف المناضلين الذين اشتركوا فيها 
من شهداء إلى أسرى إلى مناضلين قضوا أعمارهم في المنافي
لا يجوز اختصارهم في توصيف يجرّدهم من تاريخهم.

نختلف مع الخالدي بكل تقدير لشخصه، لكننا نرفض مضمون رأيه جملة وتفصيلًا.
فالكلمة في لحظة الدم والعدوان ليست تفصيلًا؛ إنها قد تُستخدم، كما فعلت إسرائيل دائمًا، كأداة لضرب شرعية المنظمة وإظهارها ككيان مهترئ بلا قيمة.

……….

مروان المعشر… تدخل خارج السياق الفلسطيني

أما مروان المعشر نائب الرئيس في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، واول سفير اردني في ( إسرائيل) بعد معاهدة وادي عربة ( 1995)،
فيُطلّ بأحكام سياسية جاهزة تتحدث عن “سقوط الشرعية” و”عجز القيادة”، بلهجة تتجاوز حدود الاختصاص والسياق الفلسطيني الداخلي.
المعشر يتدخل في مساحات لا يملك حق احتكارها، فالقضية الفلسطينية ليست منصة لإطلاق الأحكام من بعيد، بل شأنٌ يقرره الشعب الفلسطيني عبر مؤسساته ونضاله وتاريخه.

خطابه يتجاهل ظروفًا تعمل فيها المنظمة تحت ضغط استثنائي:
احتلال دموي، ضغوط دولية، حصار مالي، وانقسام داخلي مُثقل بالمصاعب.
ومع ذلك بقيت المنظمة واقفة، وبقي العالم يعترف بها ممثلًا شرعيًا ومرجعية سياسية للشعب الفلسطيني.

إطلاق الأحكام من خارج التجربة لا يصنع تحليلًا سياسيًا، بل يسهم في تصدير صورة تخدم الاحتلال وتبرر روايته حول “فشل التمثيل الفلسطيني”.

………….

منظمة التحرير… كيان تأسس بالدم والإرادة

منظمة التحرير لم تُبنَ بترف سياسي، بل تشكلت من رحم اللجوء والخنادق والمخيمات.
فيها رفعت راية الكفاح المسلح، ومنها خرجت معارك السياسة والاعتراف الدولي، وعلى أكتاف مناضليها تشكّلت البنية الأولى لمؤسسات الدولة.

إضعاف المنظمة أو استبدالها يعني ببساطة تفكيك الهوية السياسية للشعب الفلسطيني.
هي ليست حزبًا سياسيًا قابلًا للاستبدال، بل الإطار الذي حمل الرواية الوطنية في كل المراحل، ورفض الخضوع لكل محاولات التذويب.

………..

ياسر عرفات… الرمز الذي لا يُختزل

أي حديث عن المنظمة دون استحضار ياسر عرفات هو قفز فوق التاريخ.
أبو عمار لم يكن قائدًا فحسب: كان هوية كاملة تمشي على قدمين.
قاتل حين كان القتال ضرورة، فاوض حين أصبح التفاوض واجبًا سياسيًا، وصمد حين حاصره العالم، واستشهد رافضًا التنازل عن القدس أو الثوابت.

من يستخف بالمنظمة اليوم ينسى أن قائدها التاريخي دفع حياته ثمنًا لمواقفه.

……….

محمود عباس… عقل الدولة في زمن العواصف

بعد الشهيد ياسر عرفات، تمكن الرئيس محمود عباس من قيادة مرحلة سياسية بالغة التعقيد.
قد يختلف معه الفلسطينيون وهذا حقهم، لكن لا يمكن إنكار أنه حافظ على فكرة الدولة وسط انهيارات إقليمية كاسحة، ونقل القضية إلى ساحات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وواجه ضغوطًا إسرائيلية أمريكية لا سابق لها.

الاختلاف السياسي مشروع؛ نسف المنظمة استنادًا إلى هذا الاختلاف غير مشروع وخطير.

……….

النقد ضرورة… والهدم جريمة وطنية

منظمة التحرير تحتاج إلى تطوير وإصلاح وتجديد وتمثيل أوسع وهذا مطلب وطني جامع.
لكن الفرق كبير بين إصلاح البيت وبين تدميره.
الأول موقف وطني ناضج، والثاني خدمة مجانية للاحتلال الذي يعتبر المنظمة “الخطر السياسي الأكبر” على مشروعه منذ تأسيسها.

……….

الخلاصة… المنظمة خط أحمر لأنها عنوان بقاء فلسطين السياسية

من يريد إصلاح المنظمة نحن معه.
من يريد تطويرها نحن معه.
ومن يسعى لهدمها أو التشكيك بوجودها فنحن ضده وضد مشروعه.

لأن منظمة التحرير ليست مؤسسة بين مؤسسات، بل هي عنوان الشعب وذاكرة النضال وآخر حصون الهوية الفلسطينية.

*ناشط سياسي وكاتب عربي فلسطيني عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي  والإعلام.