بعد ٧٩ عاما من الإنتصار على النازية.. شعبنا بالإرداة سينتصر أيضاً

مايو 11, 2024 - 09:56
بعد ٧٩ عاما من الإنتصار على النازية.. شعبنا بالإرداة سينتصر أيضاً
حلت على البشرية قبل يومين، بالتاسع من أيار الجاري، الذكرى الـ ٧٩ للإنتصار على النازية، التي دفعت الشعوب الأوروبية ومقاومتها الوطنية ثمنا باهظاً من أرواح أبنائها ومقدراتها لأجل دفن الوحش النازي، الذي أطل برأسه قبل أكثر من ثمانين عاما، لمعاداة الشعوب وحقوقها وعجلة تطورها الطبيعي.
ومن الدروس المستفادة من هذا الإنتصار للجيش الأحمر على النازية ودخوله برلين عام ١٩٤٥، إدراك حقيقة غير قابلة للنقاش، وهي أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية يعتبر مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ، فاليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل للمحافظة على نظام دولي متوازن، يقوم على أساس المبادئ والقيم التي حققها الإنتصار على النازية، ومن أهمها قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار مسار تطورها المستقل، وعلى ضرورة العمل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب على قاعدة التضامن والمساواة بينها، والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء، التي يجب أن تكون أفضل في إطار مناهضة مفاهيم الإستعمار والفوقية العرقية أو الدينية وتعزيز الأمن والسِلم الدوليين والتقدم.

هذه القيم بالرغم من خروج بعض القوى عنها، وبالمقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية، التي صادرت مفاهيمها وخلقت سياسات الحروب اللاحقة بأوجه مختلفة في مناطق عدة بالعالم وأعادت تحالفها مع مخلفات النازية الجديدة وقدمت من خلال الشراكة كاملة الأوجه مع دولة المشروع الأستيطاني الإحلالي، التي أوجدتها هي بالشراكة مع بريطانيا، وتحديدا بشراكة ما يجري اليوم معها من استهداف الكل الفلسطيني ومشروعه بالتحرر والاستقلال الوطني .

تلك القيم التي كان من المفترض أن تشكل الهيكل الأخلاقي والسياسي للنظام العالمي المعاصر، التي تدعو لتوحيد جهود البشرية والتصدي للتهديدات الدولية، وتتضمن جوابا نهائيا وأساسيا لكل الشعوب المحبة للحرية والسلام برفض أيديولوجيا النازية والفاشية وأي نظرية معادية للبشرية وقيم ومبادئ الإنسانية، وفي مقدمتها توحش الفكر النيوليبرالي والحركة الصهيونية، التي أدانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل تراجعها لاحقا عن قرار مساواتها بالعنصرية لظروف المتغيرات الدولية في حينه ولأسباب أخرى.

إن ما تقوم به تلك القوى بالولايات المتحدة وبريطانيا، وقوى اليمين الشعبوي في أوروبا اليوم، وحلفاؤها، وفي مقدمتهم دولة الإحتلال الإسرائيلي، التي تقود هذا المحور العالمي، يستند إلى الإرتداد عن تلك النتائج وإلى مرتكزات فكرية، تعبر عن روح نازية وفاشية جديدة تقوم على أسس الإستيطان والعنصرية والفوقية والتطرف القومي الديني، وفق مفاهيم مزعومة تساندها قوى رأسمالية صهيونية مسيحية، تسعى لما حاولت أن تسعى له قبل ٧٩ عاما النازية الألمانية وحلفاءها، من موسيليني وفرانكو وغيرهم، لاضطهاد الشعوب التي لا تنبع من عرقهم المزعوم.

اليوم تجري محاولات مستمرة بأشكال جديدة لاضطهاد شعبنا، من خلال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري المخطط له من خلال الرصيف البحري، واستمرار فرض نكبة مستمرة على شعبنا الفلسطيني، التي تحل علينا ذكرى بداياتها كجريمة ضد الإنسانية بعد أيام قليلة، من خلال جعل غزة مكانا غير قابل للحياة.

كل ذلك يجري اليوم بسياسات متخبطة ومتلعثمة للولايات المتحدة، بل ومخادعة تستند إلى الدعم الكامل، ليس فقط لأمن إسرائيل، بل للحفاظ على مكانتها الوظيفية واستدامة احتلالها، بعناوين مختلفة، لذر الرماد بالعيون، حبق تهدف بمحصلة ذلك دعم مشروعهم المشترك الذي أتى به هؤلاء المستوطنون من الدول التي تركوها، دون حل المسألة اليهودية فيها قصداً، في إطار مؤامرة الحركة الصهيونية العالمية مع النازية في حينه، لاستغلال وعد ديني مزعوم لمشروع سياسي استعماري في أرضنا، بدعم قوى الإستعمار، لتوظيف هذا الكيان لخدمة مصالحهم بمنطقتنا.

وبعد كل هذه العقود، ما زالت قوى جديدة تمارس سياسات الهيمنة في هذا العالم، لفرض الحفاظ على النظام الأحادي القطب، في مواجهة بناء نظام تعددي، نظام لا يخدم مبادئ السلم والأمن الدوليين ويساهم من خلال صمت تلك القوى أو مشاركتها في جرائم الإحتلال بتشجيع استمرار ارتكابها وتعزيز مفهوم وجوهر دولة الإحتلال الإحلالي، كنظام مارق فوق القانون الدولي وكنظام عنصري معاصر.
إن عدم محاسبة هذا النظام يكرس وجود معايير متفاوته، تكال بأكثر من مكيال أمام المجتمع الدولي وتُعبر عن مصالح تلك الدول.

إن الدروس والعبر من الإنتصار على النازية التي كلفت شعوب الإتحاد السوفيتي السابق لوحدها آنذاك ما يقارب ٣٠ مليون إنسان، قاتلوا بايمان وإرادة من أجل الدفاع عن وطنهم ودحر النازية، وكلفت البشرية ملايين إضافية من البشر، تؤشر على ضرورة توقف هذه الحروب الصغيرة والكبيرة المباشرة أو بالوكالة ضد الشعوب المستضعفة بالأرض، وأن تتوقف سلطة رأس المال السياسي المتوحش عن محاولات تكرار التاريخ أينما كان، وإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وإثارة بؤر التوتر على حساب قضايا الشعوب المقهورة، وأن تفكر البشرية بتعزيز قوى البناء وتعزيز منظمات السِلم في العالم، وكذلك مبادئ الحريات والعدالة والمساواة ، بدل ممارسة الإضطهاد والقهر والإقصاء بحق شعوب أخرى وممارسة الاحتلال والعنصرية.

لكن الأيام القادمة لن تكون كما قبلها، فالتاريخ لا يعرف السكون، وعلى شعوب الأرض أن تكافح من أجل انتصار قضايا الإنسانية وقيمها في هذا الكون، من أجل بناء عالم جديد يكون أفضل مما كان أو مما هو عليه الآن. فمن دروس الإنتصار على النازية أيضا، بعد ثماني عقود، ما يؤكد على عدم استطاعة أي قوة مهما بلغ جبروتها، أن تقهر إرادة ومصير ومصالح الشعوب، وأن الشعوب وحقوقها بما فيها شعبنا الفلسطيني ستنتصر إذا أدركت الرؤية والوحدة والإرادة والمواجهة ضد المُحتل .
وأكرر هنا ما قاله شاعرنا الراحل محمود درويش، كل نهر، له نبع ومجرى وحياة يا صديقي .. أرضنا ليست بعاقر، كل أرض ولها ميلادها، وكل فجر وله موعد ثائر ..
--------------------

الدروس والعبر من الإنتصار على النازية التي كلفت آنذاك شعوب الإتحاد السوفيتي السابق لوحدها ما يقارب ٣٠ مليون إنسان، وكلفت البشرية ملايين إضافية من الارواح، تؤشر على ضرورة توقف الحروب الصغيرة والكبيرة.