طبيعة العلاقة بين مؤسسة الاسرة والمؤسسة الامنية في التجربة الفلسطينية
محمد قاروط أبو رحمة

طبيعة العلاقة بين مؤسسة الاسرة والمؤسسة الامنية في التجربة الفلسطينية
محمد قاروط أبو رحمة
(الملخص: العلاقة بين الاسرة الفلسطينية والمؤسسة الأمنية هي علاقة تبادلية وتفاعلية بين مؤسستين، مؤسسة الاسرة تبني القيم لأفرادها، والمؤسسة الأمنية تطورها وتنوعها وتحميها)
تجربة المؤسسة الأمنية الفلسطينية هي امتداد للتجربة العسكرية الفلسطينية، مع خصوصية تطور واجبات هذه المؤسسة وادوارها في النضال الوطني الفلسطيني.
التجربة العسكرية الفلسطينية تطورت مع تطور النضال الوطني الفلسطيني؛ لأنها كانت دائما أحد أدوات النضال الوطني الفلسطيني الرئيسة وفي خدمته، ولا زالت.
العلاقة بين مؤسسة الأسرة والمؤسسة الأمنية الفلسطينية تبادلية وتفاعلية بشكل أساسي، حيث يؤثر كل منهما على الآخر، وتشمل هذه العلاقة تأثيرات متبادلة وليست مجرد علاقة سببية من طرف واحد. فالأسرة تؤثر على الفرد الذي سيصبح منتسبا للمؤسسة الأمنية، من خلال تنشئته الاجتماعية والقيمية، بينما تؤثر المؤسسة الأمنية على الأسرة من خلال تجنيد أبنائها، وتغيير وتنويع أدوارهم الاجتماعية، وتشكيل سلوكياتهم وتصوراتهم.
أولا: تأثير الأسرة على المؤسسة الامنية.
1- التنشئة الاجتماعية: الأسرة هي المصدر الأول للتنشئة الاجتماعية، حيث يتعلم الطفل القيم والعادات والمعايير التي تشكل شخصيته لاحقا بما في ذلك، عند انتسابه للخدمة في المؤسسة الأمنية.
2- التكوين النفسي: تؤثر طبيعة العلاقات الأسرية (متماسكة؛ غير متماسكة) على ثقة الفرد بنفسه وقدرته على التعامل مع المشاعر السلبية وضغوط الحياة.
3- التأثير السلوكي: تزرع الأسرة في الفرد مهارات اجتماعية وقدرة على التعاون والتكيف مع الآخرين، وهي صفات أساسية في الحياة، وفي بيئة المؤسسة الامنية.
ثانيا: تأثير المؤسسة الأمنية على الأسرة
1- تغيير الأدوار: قد تؤدي الخدمة في المؤسسة الامنية إلى تغيير في أدوار أفراد الأسرة، خاصة في غياب أحد أفرادها لفترات طويلة.
2- تأثيرات نفسية واجتماعية: قد تساهم الخدمة في المؤسسة الامنية في تشكيل تصورات وسلوكيات الأفراد التي تنعكس على الأسرة، إيجابا أو سلبا.
3- الدعم والاعتمادية: قد تصبح الأسرة معتمدة على فردها المنتسب الى المؤسسة الأمنية في الدعم المادي أو الاجتماعي.
4- قد تشعر الأسرة بالقلق والخوف على سلامة فردها المنتسب للمؤسسة الامنية.
نحن كآباء واجداد نعلم ان كل وأي والدين قد بذلوا اقصى ما يمكنهم في كل المجالات لتربية أبنائهم أفضل وأحسن تربية. ما لا يعلمه الأبناء، ان كل تصرف يصدر منهم يفهم من غيرهم على انه تعبير بالسلوك والممارسة وليس بالخطب عن تربية والديهم لهم، وان حسن سلوكهم هو تعبير عن برهم لوالديهم. وان كل سلوك سلبي يصدر من الأبناء هو شكل من اشكال عقوق الوالدين، لأنه سيفسر على انه سوء تربية الوالدين.
لذلك مقولة او مثل "الولد العاطل بجيب لأهله المسبة" صحيحة؛ لكن ما لا يعرفه الأبناء ان كل مسبة تسبب بها الولد لوالديه من سوء سلوكه هو شكل من اشكال عقوق الوالدين.
بر الوالدين، ليس دعاء لهم فقط، ولا تقبيل أيديهم فقط، ولا الترحم عليهم في جوف الليل فقط، ان بر الوالدين يجب ان يظهر في حسن تصرفات الابن في كل مكان وزمان.
إذا حولنا المقولة الشهيرة "اجعل من يراك يدعو لوالديك"، الى سؤال يكون كالتالي:
كيف اجعل من يراني يدعوا لوالدي؟ وكل دعوة يدعوها من راك لوالديك؛ هي بر لهما.
يجب أن تعكس بتصرفاتك وسلوكك في الحياة والعمل، قيمك وأخلاقك، مما يثير إعجاب ورضا الناس لوالديك. وان على الأبناء ان يعرفوا ان من بر بالوالدين رفع شانهم أمام الناس بحسن سلوكهم. والحفاظ على سمعتهم وحماية كرامتهم وعدم التسبب بإيذائهم أو التقليل من قيمتهما من خلال السلوك غير الجيد.
العلاقة بين الاسرة الفلسطينية والمؤسسة الأمنية هي علاقة تبادلية وتفاعلية بين مؤسستين، مؤسسة الاسرة تبني القيم لأفرادها، والمؤسسة الأمنية تطورها وتنوعها وتحميها.
المؤسسة الأمنية تطور مجموعة القيم التي يكتسبها الفرد من بيئته الأسرية، ومحيطها العائلي والاجتماعي، وتأثير التعليم وبيئته على الفرد.
وقد يكون الانضباط العسكري الصارم، هو أحد اهم القيم والأدوات التي يتعلمها الفرد في المؤسسة الأمنية الفلسطينية.
ما يجب ان تعرفه مؤسسة الاسرة ان الانضباط العسكري مفهوما متعدد الأوجه، حيث يمثل في آن واحد قيمة أساسية تساهم في بناء الشخصية، وأداة حاسمة لضمان الفعالية والكفاءة التنظيمية داخل المؤسسة الأمنية، وفي داخل الاسرة وفي الحياة ايضا.
وبناء الانضباط العسكري لدى المنتسب للمؤسسة الأمنية الفلسطينية، هو تطوير لما تعلمه الفرد من انضباط في اسرته. وفي بداية التحاق الفرد بالمؤسسة الأمنية يعبر في تصرفاته عن طبيعة العلاقات داخل اسرته ومحيطها.
من الضروري ان تعرف الاسرة؛ ان الانضباط العسكري، يتجاوز الانضباط في المؤسسة الأمنية، وهو ليس مجرد الالتزام بالقواعد والتعليمات فقط، بل يتجاوز كل ذلك ليصبح جزءا لا يتجزأ من تكوين الفرد، ويساهم في بناء شخصيته التي يعود نتائجها على حياة الفرد الخاصة وعلى الاسرة والعائلة والمجتمع وعلى عدة مستويات:
1- بناء الشخصية: يغرس الانضباط العسكري قيما أساسية مثل الولاء، والمسؤولية، واحترام السلطة القانونية، مما ينعكس على سلوك الفرد داخل وخارج المؤسسة الامنية.
2- تعزيز الروح المعنوية: عندما يلتزم الجميع بالمعايير نفسها، يولد ذلك شعورا بالثقة والتماسك بين الأفراد، ويعزز الروح المعنوية للمجاعة ككل، (المؤسسة الأمنية جماعة، والاسرة جماعة)
3- تحمل المسؤولية: يساعد الانضباط العسكري على تعزيز قدرة الفرد على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية، مما يساهم في نضجه الشخصي والمهني.
4- ان اعتماد الفرد على نفسه يعزز تبادل الأدوار بين الأولاد ووالديهم، حيث ينتقل الفرد من الاعتماد على والديه، الى اعتماد والديه عليه.
5- تطوير الذات: يعلم الانضباط العسكري الأفراد كيفية التحكم في النفس وتطوير العزيمة لمواجهة التحديات، مما يمكنهم من تحقيق النمو الشخصي والنجاح.
والانضباط العسكري كأداة يعتبر وسيلة أساسية لتحقيق أهداف المؤسسة الأمنية والاسرية، وضمان نجاحها في أصعب الظروف.
1- يضمن الانضباط العسكري أن الأوامر الصادرة من المؤسسة الأمنية او مؤسسة الاسرة؛ تنفذ بسرعة وذكاء حتى في أصعب الظروف الأمنية او الاسرية. ويعد التدريب المستمر على السلوكيات الروتينية، مثل التحية والمشاة واللياقة البدنية، وسيلة لترسيخ هذا الانضباط.
2- يعزز الانضباط العسكري من الكفاءة التنظيمية والعملية للمؤسسة الأمنية والاسرية. ففي الظروف الصعبة، تكون الكفاءة والالتزام بابا اساسيا للنجاح وتحقيق الاهداف.
3- يستخدم القادة والوالدين الانضباط كأداة أساسية للحفاظ على النظام الجيد داخل مؤسسة الامن وداخل مؤسسة الاسرة. ويشمل ذلك فرض المعايير، ومحاسبة الأفراد، ومعالجة المخالفات، لضمان استمرارية أداء المؤسسة ووحدة الاسرة وتحقيق اهدافها.
4- الانضباط العسكري يبني ويطور بيئة من الاحترام والثقة، مما يعزز التماسك بين أفراد الجماعة (جماعة المؤسسة الأمنية وجماعة الاسرة). هذا التماسك يضمن أن كل فرد يمكن أن يعتمد على زملائه او افراد اسرته، حتى في المواقف العصيبة.
5- الإجراءات التأديبية كجزء من أداة المؤسستين، تهدف الى حماية المؤسسة والاسرة من الأفراد غير الملتزمين، وتوضيح عواقب مخالفة السياسات والقوانين العسكرية او الاسرية.
من الضروري تذكير الوالدين ان العلاقة بين مؤسسة الاسرة والمؤسسة الأمنية هي علاقة تكاملية وتفاعلية بين مؤسستين:
مؤسسة الاسرة تزرع القيم ومؤسسة الامن تنمى وتطور القيم وتحميها.
وان قوة الانضباط العسكري في توازنه بين القيمة والأداة، تغرس الأداة القيمة، من خلال التدريب الصارم، والالتزام بالقواعد، وتطبيق العقوبات، يتم غرس قيم الولاء والطاعة في الأفراد للوطن وللمؤسسة الأمنية ولمؤسسة الاسرة.
وعندما يتبنى ابناؤنا الانضباط العسكري كقيمة شخصية، فإنهم ينفذون الأوامر بحافز داخلي وليس فقط خوفا من العقاب. وهذا يؤدي إلى أداء أعلى وأكثر موثوقية في المواقف الحرجة في المؤسسة الأمنية والاسرة وحياة الفرد الخاصة.
المؤسسة العسكرية تكمل وتنوع وتطور شخصية الفرد وتعيده إلى مؤسسة الأسرة أكثر فاعلية وموثوقية واعتمادية
وان مشاركة احفادنا وابناؤنا في المعسكرات الصيفية والشتوية والكشافة، يكسبهم الكثير من القيم والأدوات التي تعينهم على النمو والتطور في الحياة.
فلسطين دائما تنتصر بقوة الاسرة أولا، وتماسكها، وبقوة مؤسساتها، وقوة مؤسسة الامن.