ذاكرتنا الضعيفة: مشاريع قوانين إنهاء عمل الأونروا ليست جديدة !!

أكتوبر 12, 2024 - 09:51
ذاكرتنا الضعيفة: مشاريع قوانين إنهاء عمل الأونروا ليست جديدة !!

سامي مشعشع

في الثلاثين من أيار الماضي نشرت مقالاً بعنوان "الأونروا تحترق أمام أعيننا. شلل رسمي وشعبي ودبلوماسي فلسطيني لمساندتها وإنقاذها. عملية طرد الوكالة من مقر الرئاسة في القدس وقانون إعلان الأونروا مؤسسة إرهابية كدلالة على مسار تحطيم حق العودة". 

وقلت فيه "إن التطور الأكثر خطورة وأثراً هو إقرار الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، يوم الأربعاء ٢٩ أيار، ثلاثة قوانين متشابهة المضمون والهدف، والمتمثلة بإلغاء الحصانة الممنوحة للأونروا حسب اتفاقية كوماي – مكليمور للعام ١٩٦٧ والموقعة من قبل حكومة الاحتلال والأونروا، وإعلان المؤسسة منظمة "إرهابية" ومنعها من العمل في القدس. القرار التمهيدي للقوانين الثلاثة - والذي ستتبعه قراءات ثلاث ليصبح قانوناً ناجزاً- حصل على دعم الأحزاب الصهيونية المنضوية داخل التوليفة الحكومية وأحزاب المعارضة، وحاز على أغلبية في التصويت. إقرار القانون، حتى لو تأخر تطبيقه لاعتبارات سياسية ودبلوماسية، هو أوضح تجلى لنية حرق الأونروا، وبيان للعامة أن هدف إنهاء الأونروا قد وصل لمراحل متقدمة وعملاتية".

الفكرة اللافتة في المقال السابق هي أن إقرار القانون سيتم تطبيقه حتى لو تأخر "لاعتبارات سياسية ودبلوماسية". جميعا نعرف أسلوب دولة الاحتلال. يطلقون مشروعاً ما أو يتخذون قراراً أو ينفذون أمراً على أرض الواقع، ومن ثم يراقبون ردود فعل الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين، والدول العربية، والدول الغربية، والأمم المتحدة.. إلخ. وبناء على ردود الفعل هذه يقررون إما الاستمرار بتنفيذ القرار أو المشروع أو تطوير ما بدأوه، أو الانتظار لفرصة سانحة أخرى. وإذا كان رد الفعل رافضاً بقوة أو بعنف أو أن تطبيقه يضعف علاقتهم مع داعميهم أو يضعف مثلاً جهود التطبيع مع هذه الدولة العربية أو تلك يعلقون التنفيذ لفترة. هذا هو اسلوبهم الناجع والمتبع بنجاح ولعقود خلت.

بخصوص خطتهم الاستراتيجية لإنهاء الوكالة في بعض أقاليم عملها، وتحجيمه في أقاليم أخرى، وبهدف شيطنتها، وتقنين الدعم المالي لها حد الكفاف، ولكي الوعي الجماعي إضعافاً لحق العودة، وتعويم فكرة توطين اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان، وتشجيع هجرة الشباب الفلسطيني. لكل هذه الأهداف شرع الاحتلال بخطته المتدحرجة ضد الأونروا. فرضوا تغييرات جوهرية على المناهج المعتمدة في مدارس الأونروا في فلسطين المحتلة.

 ردود فعلنا جاءت ضعيفة فأصبح المنهاج المهادن واقعاً. بدأت حملات التحريض ضد موظفي الأونروا ولم نكترث، وتمت شيطنتهم وفرض على الأونروا طرد بعض منهم زوراً وبهتاناً ولم نبال، وأوقفت عديد الدول تبرعاتها، وشكلت لجان تحقيق وفرضت قيوداً تعجيزية على الأونروا وعامليها وعبرنا عن امتعاضنا فقط خطابياً، وبعدها ذهبنا للنوم. قتل الاحتلال عشرات موظفي الأمم المتحدة، واستهدف منشآت الأونروا، وقتل النازحين إليها وضربنا الكف بالكف، وذهبنا للنوم. أعلن رئيس بلدية الاحتلال في القدس إن على الوكالة ترك مقرها المركزي في القدس، ودفع ديون مستحقة، وسحب امتيازاتها وحصانتها ولم نفعل شيئا. تم منع المفوض وطواقمه من الدخول للقدس وغزة، وأعلن عنه شخصاً غير مرغوب وتبعته قبل أيام بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بأنه أيضاً شخص غير مرغوب  فيه، وتمنى مندوبهم في خطابه داخل أروقة الأمم المتحدة في نيويورك بأن تهدم البناية على رؤوس مشغليها، ولم ينبس أحد ببنت شفه. 

الخبر بالأمس، والذي تناقله الإعلام الفلسطيني، وكانّه خبر جديد، حول مشاريع قوانين الكنيست لطرد الأونروا وسحب حصانتها هو ذات المسعى المطروح قبل ستة أشهر. طرحوه وصوتوا عليه وانتظروا. في ذات الأثناء صعّدوا من هجمومهم واتهاماتهم ضد الأونروا وعامليها ومسؤوليها، وحجموا دورها وتم تجويعها مالياً وانتظروا. لا ردود فعل حقيقية وصلتهم، لا من الأمين العام ولا من جامعة الدول العربية المتهالكة لا سمح الله، ولا من الأطراف الفلسطينية، ولا من الدول المضيفة للاجئين ولا من الدول المتبرعة. 

عندها قالوا في سرهم : لقد استوى العدس! الآن الطبخة جاهزة.

ما تمت الموافقة عليه في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست الإسرائيلي هو التالي: مشروعان لقانونين يهدفان لإنهاء عمل وامتيازات الأونروا (بعد إعلان الأونروا سابقاً بأنها منظمة إرهابية). المشروعان هما تجميع لمجموعة قوانين طرحت قبل عدة أشهر طرحتها الأحزاب المعارضة للحكومة الحالية، ومشاريع قوانين أحزاب منضوية في الائتلاف الحكومي الحالي. بمعنى أن هناك اجماعاً كاملاً ضد وجود الأونروا وخدماتها.

 مشروع القانون الأول (مقدم من الليكود وأحزاب اليمين) يطالب بمنع الأونروا من تقديم أية خدمة للاجئين أو القيام بأي نشاط مباشر أو غير مباشر في إسرائيل أو إمكانية إدارة وتشغيل أية منشأة وموقع. مشروع القانون الثاني (المقدم من حزب إسرائيل بيتنا وييش عتيد والليكود وآخرين) ينص على إلغاء اتفاقية المقر والحصانة الموقعة في العام ١٩٦٧( اتفاقية كوماي-مكليمور) والتي ينتهي مفعولها فى أكتوبر ٢٠٢٤). المشرعان أعطيا الحكومة صلاحية عدم تجديد الاتفاقية (والتي تنهي عملياً وجود الأونروا في فلسطين المحتلة كاملة)، أو الانتظار ريثما يتم التصويت بالقراءتين الثانية والثالثة ( وأغلب الظن أن التصويت النهائي سيتم حال التئام  الكنيست وبدء دورته الشتوية في الثامن والعشرين من هذا الشهر)، واعتماد مشروعي القانونين رسمياً بقيد التنفيذ الفوري. في حال تمرير القانونين يحرم على أية جهة إسرائيلية حكومية وممثليها التواصل مع الأونروا، وتسحب من موظفي الأونروا كامل الامتيازات والحصانات والإعفاءات الضريبية ويمنعون من العمل. 

وأقصى ما فعله الأمين العام هو بعث رسالة لنتنياهو يوم الأحد الماضي مناشداً إياه بعدم تمرير مشروعي القانونين ومهدداً إياه بأنه في حال تمرير القانون في الكنيست فإنه سيلفت انتباه الجمعية العمومية لخطورة هذا القرار !!! ( أليس هذا تهديداً أجوفاً؟). يعطيك العافية يا أمين عام. نتنياهو لم يعره أي انتباه وأوعز لممثله في الأمم المتحدة داني دانون، بالرد محاضراً الأمين العام بأن المؤسسة الدولية لم تحرك ساكناً ضد ارتباط الأونروا "بالإرهاب"، وأنها فشلت مهنياً وأخلاقياً!!

ماذا نحن فاعلون؟ الجواب: لا شيء.