مخبز كرمي يخبز على نار الحطب لأكثر من 30 عامًا

أغسطس 4, 2025 - 16:51
مخبز كرمي يخبز على نار الحطب لأكثر من 30 عامًا

مخبز كرمي يخبز على نار الحطب لأكثر من 30 عامًا

إعداد: شذى دعمه ورجاء أصلان

  من قلب مدينة طولكرم، وبين أزقتها التي تعبق برائحة الذكريات، تتصاعد رائحة خبز الطابون من فرنٍ لا يشبه الأفران الحديثة بشيء، هناك حيث يستقر مخبز "أبو عيسى"، حاملاً سر الطعم الذي بقي كما هو منذ أكثر من ثلاثين عامًا.

تاريخ المخبز

  يقف فادي ذياب، صاحب مخبز "أبو عيسى"، في ركنٍ يعجُّ برائحة الحطب ولهيب الذاكرة، مسترجعًا بدايات المكان بكلمات يغمرها الحنين، "ورثت هذا المخبز في عام 1988 عن المرحوم والدي، ومنذ ذلك الوقت خضنا تجربة المخبوزات بكل تفاصيلها".

  لم يكن هذا المخبز مشروعًا عابرًا، بل المحطة الأخيرة في مسيرة والده الراحل، الذي امتلك عدة مخابز في مناطق مختلفة، قبل أن يختار الاستقرار هنا عام 1989، ليصبح "مخبز أبو عيسى" علامة فارقة في المدينة.

  وما يمنح هذا المخبز فرادته ليس عمره فقط، بل موقعه الذي اختزن بذاكرة الحيّ ونبضه والمكانة التي حفرها في وجدان الناس، مقاوماً زحف الحداثة وتغيرات المدينة.

سر النكهة

  لا يقتصر تميّز مخبز "أبو عيسى" في طريقة الخَبز فحسب، بل في تفاصيل العمل اليومي التي تمنح المكان روحه الخاصة، فكل خطوة هنا تُنفّذ يدويًا من التقطيع إلى العجن، وصولًا إلى رصّ الأرغفة داخل الفرن.

  يقول فادي بفخر، وهو يتابع حركة الأيدي داخل المخبز، "العجانة هي الآلة الوحيدة الموجودة في المخبز، أما باقي الأشغال فجميعها من أيدينا".

 

  ويضيف، أنه المخبز الوحيد الذي لا يزال يعمل على الحطب وخشب الزيتون، لا على أفران الكهرباء، وهي طريقة نادرة في زمن المخابز الحديثة، مؤكدًا أن الحفاظ على التراث الفلسطيني ليس خيارًا، بل هوية يومية تُعاش باليد والروح.

ويُعرف المخبز بخبز المسخن الشهير وخبز الطابون الذي يُخبز على الفرن العربي، وتنتشر من حوله رائحة معجنّات الزعتر والسبانخ والجبنة الفلسطينية إلى جانب البيتزا، ويقول صاحب المخبز، "يأتينا الناس حاملين أطباق الدجاج أو السمك لنخبزها على نار الحطب، فنُعيد إليهم نكهة الماضي."

زوايا الماضي

وبينما يواصل فادي ذياب حديثه، يأخذ جولة داخل المخبز، وهو يمشي بخطىً هادئة بين أركانه العتيقة، حتى يتوقّف أمام جدارٍ تزيّنه صواني القشّ المعلّقة بعناية، ليشير إليها بابتسامة يملؤها الفخر وهو يقول، "هذه الصواني الفلسطينية ما زالت موجودة، وكانت تستخدم قديماً ليضعوا عليها طعام يقدموا عليها الفطور والغداء، ويقدمونه عليها بكل ما تحمله من بساطة وألفة."

يتنقّل بعدها نحو ركن آخر، يلتقط وعاءً كبيرًا من الرف الخشبي، وهو يوضح، "ولدينا أيضًا القِدر، وهو وعاء قديم نستخدمه حتى اليوم في إعداد بعض الأكلات، حيث كل شيء هنا يشبه الماضي."

وفي زاوية أخرى، حيث تلتقي رائحة الخبز بصمت الجدران القديمة، يطفئ فادي ذياب نار الحطب مؤقتًا لا ليرتاح، بل ليشعلها مجددًا في صباح آخر، ففي مدينة تغيّرت فيها الواجهات والطرق يبقى مخبز "أبو عيسى" كما هو، يحتضن روح العائلة ويحفظ نكهة الأيام الأولى، ليظلّ مَعلمًا من معالم الذاكرة الكرمية التي لم تنكسر أمام الحداثة.