واستشهدوا ساجدين
بهاء رحال
عند صلاة الفجر، حين نادى المنادي "حي على الفلاح"، والإمام يقول "استقيموا للصلاة"، والناس من خلفه يصطفون بأجسادٍ منهكة ومتعبة، وقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبطون خاوية من الطعام والشراب، وفي لحظة خشوع وتضرع إلى العلي القدير في السماوات العلى، بأن تتوقف هذه الإبادة الجماعية، وبعد أن قالوا "الله أكبر"، وبدأوا قراءة سورة الفاتحة، سقطت الصواريخ عليهم من دون إنذار، وقتلت أكثر من مئة إنسان، وأصابت كثيرين في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل المجازر الوحشية التي يرتكبها الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية المستمرة من دون توقف.
تقول تقارير وزارة الصحة والتقارير الصحفية أنها صواريخ من نوع جديد، أمريكية الصنع، تحرق الأجساد وتذيبها، فلا يتبقى من الجسد إلا بقايا أشلاء يصعب لأحد أن يتعرف على أصحابها.
يقول أحد الناجين: "كانت لحظة غادرة، عمّ الهدوء سماء غزة، فلا طائرات استطلاع، ولا طائرات مراقبة، ولا صوت لإطلاق النار، وخُيّل للناس النازحين في المدرسة أنّ هذا الهدوء سكينة وطمأنينة فاطمأنوا، وأقاموا الصلاة، وقاموا إلى صلاتهم، وما إن استقاموا حتى جاء القصف على المصلين بغتة، وسقطت عليهم حممٌ من النار سحقت الأجساد، فاستشهدوا وهم بين يدي الله، وشكواهم واقع الحال الرث، ووحشة الحرب، وحدهم، حيث لا صديق ولا شقيق، والعالم الصامت لا يتحرك أمام ما يحدث، بل يواصل هذا الصمت المطبق والانحياز الأعمى، ولا حول لهم سوى أنهم يجربوا النزوح بما استطاعوا كي يحموا أطفالهم وكثيرًا لا يستطيعون، فيعتذرون أمام أجسادهم البريئة ويبكون حد النحيب".
إن المجزرة الرهيبة التي حدثت في مسجد التابعين، ليست الأولى، فكل مذبحة ومجزرة ارتكبها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر لها ملامح إنسانية ينفطر لها القلب، فضحاياها دوماً هم المواطنون الأبرياء الساكنون خيام النزوح ومراكز الإيواء، ولا حدود للبشاعة والعنصرية والإرهاب، ولا حدود للوحشية التي تنفذ المجازر على مرأى ومسمع كل العالم، هذا العالم الذي يشهد على أبشع عملية إبادة جماعية، للناس المحاصرين في غزة المحاصرة من كل الجهات، مثل سجن محاصر ومراقب، والناس فيه لا مفر أمامهم سوى انتظار الموت.
إنها المأساة اليومية وواقع الحال الذي يشهده العالم، ويشاهده بخبث وصمت ولا يحرك ساكنًا، رغم بشاعة ما يحدث؛ فالناس ماتوا في الكنائس والمساجد ومراكز الإيواء ومخيمات النزوح، وكل ما حدث ويحدث من تطهير عرقي بقوة الإبادة الجماعية، يحتم على المجتمع الدولي سرعة التدخل، غير أن ذلك لم يحدث بعد، وفي داخلنا بتنا نسخر من هذا المجتمع الذي كذب علينا طويلًا بمواثيق غابت وقوانين لا نراها.
لم يكن حصار الشقيق والصديق أقل فتكًا من هجوم الطائرات في لحظة الفجر، وهم ساجدون للمولى عز وجل، وفي قلوبهم التي تعتصر حزنًا وألمًا، دعاء ورجاء بعون المغيث الذي ليس لهم غيره، وهم على يقين بالاستجابة، بينما العالم راكعٌ لا يتحرك أمام هذا الإجرام، وأمام كل ما حدث ويحدث، فمتى سيتحرك هذا العالم بهيئاته ومؤسساته؟ ومتى ستتوقف هذه المقتلة؟ ومتى سيُحاكَم القتلة على أفعالهم وإجرامهم؟!
إنها المأساة اليومية وواقع الحال الذي يشهده العالم، ويشاهده بخبث وصمت ولا يحرك ساكناً، رغم بشاعة ما يحدث؛ فالناس ماتوا في الكنائس والمساجد ومراكز الإيواء ومخيمات النزوح..