مخاطر اليوم التالي لغزة والسيناريو المأزق!

يوليو 23, 2024 - 11:15
مخاطر اليوم التالي لغزة والسيناريو المأزق!

ناجي صادق شراب

منذ اليوم الأول للحرب على غزة والحديث والاجتهادات تتزايد حول طبيعة اليوم التالي لحرب غزة، وهنا السؤال لماذا غزة، وهي الجزء الصغير من فلسطين؟ الحديث عن اليوم التالي ليس المقصود به غزة فقط ولكن المقصود به مستقبل القضية الفلسطينية، ومحاولة غلق ملف هذه القضية، وهذا هو الهدف الرئيس للحرب على غزة. طرفا الحرب على غزة إسرائيل بما تملكه من قوة ومحاولة فرض أمر واقع على غزة مختلف تماما عن اليوم السابق للحرب. وحماس وبما تمثله من مقاومة ودور سياسي.

 وهنا الهدف من تفكيك قدرات حماس العسكرية، وليس السياسية لأن الدور السياسي لحماس لن ينتهى بالحرب. 

وهناك أطراف أُخرى لم يكن لها دور قبل الحرب كالسلطة، تحاول أن تستعيد هذا الدور بعد الحرب، وبمشاركة العديد من القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهنا يلتقى هدف أمريكا مع هدف إسرائيل بغلق ملف القضية، وفرض الحل السياسي الذى تفرضه الحرب. ولعل أبرز تداعيات الحرب أنها أوجدت بيئة سياسية جديدة بمحدداتها ومتغيراتها الجديدة، وهذه المحددات هي التي تُبنى على أساسها السيناريوهات المتوقعة. من أبرز هذه المحددات الجديدة استعادة دور إسرائيل كسلطة احتلال بأشكال جديدة في غزة.

 ففي عام 2005 انسحبت إسرائيل من غزة، وسلمتها للسلطة الفلسطينية، بما فيها إدارة المعابر. اليوم تعود إسرائيل باحتلالها لكافة المعابر، وبدور مباشر لتقرير كيف سيكون عليه اليوم التالي لغزة، خصوصاً البعد الأمني الذي لن تتخلى عنه. المحدد الآخر ما يتعلق بدور حماس التي منذ انقلابها عام 2007 على السلطة هي المسيطرة والحاكمة. اليوم هذا الدور لم يعد قائماً، بتقليص وإضعاف قدراتها العسكرية وفرض وقائع جديدة، لن تكون بمقدورها حكم غزة منفردة. ومن المحددات الجديدة بروز دور الجوار العربي، خصوصاً مصر بما تشكله غزة من بوابة أمنية لمصر، ويعنيها أن تكون هذه المنطقة آمنة مستقرة، إلى جانب الدور العربي الواسع من حيث المساهمة في إعادة البناء والإعمار وإدارة المرحلة الانتقالية، والقوى الدولية والذي تفرضه استعادة دور القضية الفلسطينية وإحياء مقاربة الدولة الفلسطينية التي حاولت إسرائيل غلقها بقرار الكنيست برفض الدولة الفلسطينية، إلى جانب هذه المحددات هناك المحددات المتعلقة بحياة أكثر من مليوني نسمه بلا مأوى، ويعيشون في الخيام، ومحدد الإعمار من سيساهم وشروط الإعمار وهذا المحدد قد يكون الأكثر أهمية لأنه يحتاج إلى عقود من الزمن لإزالة الركام وإعادة البناء، وهو ما يتطلب استبعاد خيار الحرب، ونزع البنية العسكرية للمقاومة.

 في سياق هذه المحددات تبرز العديد من السيناريوهات التي ما زالت في عالم من الافتراض وعدم اليقين. ابتداءً هناك سيناريوهان مستبعدان، الأول: سيناريو إعادة إسرائيل احتلالها لغزة ومسؤوليتها الكاملة عن إدارتها، هذا السيناريو مستبعد، فليس من مصلحة إسرائيل تحمل المسؤولية المباشرة لما يحمله من مقاومة مستمرة ومسؤولية أكثر من مليوني نسمة، لكنها لن تتخلى عن الدور الأمني لما تمثله غزة من بؤرة أمن أولي لها، فلن تسمح بالتواجد العسكري، ولا بتواجد مقاومة عسكرية، وفي الوقت ذاته لها مصلحة سياسية في أن تقوم غزة بدورها في الانفصال وعدم قيام الدولة الفلسطينية. 

أضف لذلك الأهمية الاقتصادية والمردودات المالية للإعمار. والسيناريو الثاني المستبعد سيناريو عودة حماس للحكم بشكل منفرد والاحتفاظ بكل قدراتها العسكرية، لكنه لا يعني استبعاد أي تواجد لحماس سياسياً ومجتمعياً وحتى أمنياً. ويمكن أن نضيف سيناريو ثالثاً مستبعداً في اليوم التالي، الحكم المباشر للسلطة الفلسطينية بواقعها القائم. ورغم أن للسلطة تواجد مباشر في غزة من حيث مسؤوليتها عن آلاف الموظفين، ودورها المباشر تجاه المخيمات الفلسطينية ومسؤوليتها الصحية وغيرها من الخدمات، لا يمكن تجاهل دورها في اليوم التالي للحرب الذي يفرض مقاربات أُخرى تتناسب ومحدداتها ومتغيراتها، ومن هنا الحديث عن سيناريوهات أخرى لإدارة غزة في الفترة الانتقالية التي قد تطول حتى إنهاء عملية الإعمار. وترى الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام ساره بريكس إمكانية عودة السلطة الفلسطينية في إطارها الجديد وبتوافق فلسطيني، وهذا السيناريو يتطلب تغييرات كبيرة في بنية السلطة، ودوراً أكبر للنخب المدنية في غزه. وترى الباحثة أن غياب السلطة سيكون أمراً مستحيلاً. ولا يمكن أيضاً استبعاد أي دور لحماس بما لديها من بنية إدارية وأمنية كاملة، فلا يمكن استبعادها بالكامل. وهذا السيناريو الأكثر قبولاً وواقعية، فليس من حق إسرائيل أن تقرر نيابة عن الشعب الفلسطيني. وهناك من يرى تشكيل قوة أمنية إقليمية مدعومة دولياً لتولي ملء الفراغ بعد الحرب. وهذا شرط مهم لعملية الإعمار وتفادياً للفوضى الأمنية وحرب الجماعات المسلحة.


وكما يرى الباحث في المؤسسة ذاتها آرون ميلران، غزة يمكن أن تشهد نوعاً من الحضور النسبي للقوات الإقليمية. ويرى أن الدول التي لها علاقات سلام مع إسرائيل يمكن أن يكون لها دور مباشر. وأما أستاذ العلوم السياسة الدكتور نيثان براون فى جامعة واشنطن، فيرى عكس ذلك؛ أن الدول ذاتها قد لا تقبل، تجنباً لأي تورط مسلح مستقبلاً. ويبقى أننا أمام نموذج معقد أشبه بعقدة غوردون التى تحتاج إلى سيف الإسكندر لاستئصال العقدة الرئيسة والمتمثلة في الفصائل العسكرية، وتحويل غزة لمجتمع مدني وإدارة مدنية. ولا ينبغي النظر لغزة على أن تكون حالة منفصلة عن إطارها الفلسطيني، فلا حل بدون هذا الإطار الجامع.

....
هناك المحددات المتعلقة بحياة أكثر من مليوني نسمه بلا مأوى، ويعيشون في الخيام، ومحدد الإعمار؛ من سيساهم وشروط الإعمار، وهذا المحدد قد يكون الأكثر أهمية لأنه يحتاج إلى عقود من الزمن لإزالة الركام وإعادة البناء، وهو ما يتطلب استبعاد خيار الحرب.