معادلة : تغيير التعاطي العربي المتماهي مع "الخروقات" أو الاستسلام

حمدي فراج

نوفمبر 26, 2025 - 08:49
معادلة : تغيير التعاطي العربي المتماهي مع "الخروقات" أو الاستسلام

حمدي فراج

 يمكن تلخيص المشهد الصراعي مع إسرائيل ما بعد الحرب الإبادية التي جاءت في أعقاب الطوفان بعنوانين رئيسيين بارزين وواضحين، الأول هوإعلانات وقف اطلاق النار رسميا في المحافل والمكاتب، واستمرارها فعليا في الجبهات والميادين، وهنا نلاحظ أن طرفا بعينه وهوإسرائيل، من يقوم بالاختراقات، متعددة الأشكال ومتنوعة الأسباب أو الذرائع، وأحيانا بدون أسباب وبدون ذرائع، او بذرائع ركيكة لا تنطلي على أحد، في حين يلتزم الطرف الثاني التزاما حديديا كاملا بعدم الخرق، في لبنان سجلوا نحو عشرة آلاف خرق خلال سنة تقريبا من وقف اطلاق النار دون خرق واحد من حزب الله، الأمر نفسه ينسحب على حماس والمقاومة عموما في غزة، حيث سجلوا نحوخمسمائة خرق في شهر ونصف . هنا وهناك قتلوا المئات، دون ان يقتل إسرائيلي واحد.

    أما العنوان الثاني، فهو تماهي محور المقاومة، وبالتالي التماهي العربي الرسمي والشعبي مع هذه الاختراقات التي لا يبدو انها ستتوقف، فقط المطالبات بوقفها واجبار إسرائيل على الالتزام بالاتفاقات الموقعة، دون أن يكون هناك أية إشارة للرد بالمثل اوالخرق بالخرق، بل بالعكس نسمع أحيانا ما يطمئن إسرائيل بأننا لن نرد، لن يتم استفزازنا، لن ننجر الى ما يريده العدو، مثل هذه الردود المطمئنة، تجعل إسرائيل تتمادى في الاختراقات.

    نتفهم بشكل عام ان المقاومة في غزة ولبنان غير قادرة على الرد العسكري والصاروخي الذي كان لهما قبل الحرب، هذا لا يبرر أبدا زيادة بيانات الشجب والتنديد والاستنكار، ولا حتى مطالبة الوسطاء بالضغط على إسرائيل لوقف اختراقاتها، فإسرائيل ترى وتسمع وترصد وتقصف وتخرق، انها فرصتها التاريخية والجغرافية والعسكرية والدينية والاقتصادية والنفسية والسياسية والحزبية لتحقيق معظم أهدافها ما ظهر منها وما بطن. 

    انها لم تتشافى بعد من طوفان الأقصى، الذي قالت عنه إنه أخطر وأصعب ما واجهها منذ الهولوكوست، رغم ان الهولوكوست لم يواجهها ولم تواجهه لأنها لم تكن دولة ولم تكن موجودة بعد، ربما هو الذي أوجدها وأنشأها ونفخ في أوصالها الروح. مخطئ بالتالي من يظن ان إسرائيل "تخرق" الاتفاقيات، هي أصلا سعت الى إبرامها بعد ان أنهكتها المواجهات، وسمعنا أصوات جنودها وقادتهم يصرخون على الملأ، ما لنا قدرة على المجابهة، ولهذا سعت لإبرام اتفاقيات وقف إطلاق النار من أجل ان تقوم بعدها بخرقها، وبالتالي يخطئ من يظن ان هدفها هو نزع سلاح هذه المقاومة، بل نزع المقاتلين وحاضنتهم الشعبية بل ونزع الشعب الفلسطيني من غزة، والشيعة من جنوب الليطاني وحشر الشعب الفلسطيني في الضفة داخل جيوب وكانتونات يتكفل بهم جيرانهم من المستوطنين المسلحين بالبنادق والحقد الدفين.