التهجير القسري للفلسطينيين من الضفة
د. رمزي عودة
صدر مؤخراً تقريران مهمّان حول التهجير القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وخطوات فرض السيادة الاسرائيلية عليها. التقرير الأول صدر من مؤسسة "هيومن رايتس ووتش"، وقد أدان اسرائيل بارتكابها جريمة حرب بسبب قيامها بتهجير أكثر من 32 ألف فلسطيني من ثلاثة مخيمات فلسطينية (مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس) دون السماح لهم حتى الأن بحق العودة الى بيوتهم. واعتبر تقرير المنظمة الدولية أن اسرائيل استخدمت حجة الإرهاب لتهجير المدنيين من هذه المخيمات الثلاث، وأنها لم تسمح لهم بالعودة الى منازلهم منذ مطلع عام 2025، بما يؤدي الى انتهاك حقوقهم المدنية والسياسية ويخالف القانون الدولي، ودعت "هيومن رايتس ووتش" المجتمع الدولي الى محاسبة ضباط جيش الاحتلال وقادة أركانه بسبب ارتكاب هذه الجرائم.
من جانب آخر، أصدرت الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الاسرائيلي تقريراً يدين الخطوات الإسرائيلية المتسارعة بتهجير البدو الفلسطينيين من مناطق E1 والتجمعات البدوية المنتشرة بالأغوار، وتحدثت الحملة الاكاديمية الدولية في تقريرها أن اسرائيل تستهدف هذه التجمعات البدوية من اجل إقامة مستوطنة E1 في وسط الضفة الغربية المحتلة، بحيث تمنع إمكانية قيام الدولة الفلسطينية. وربط التقرير خطوات اسرائيل المتسارعة بإنشاء الطرق الإلتفافية من منطقة حزما الى مستوطنة أرئيل بأنها خطوات للاسراع في فرض السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية وضمّها.
في الواقع، يمكن الربط بين خطوات الضم في الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين منها من خلال سياسات الحكومة اليمينية الصهيونية التي تسعى الى تحقيق عدة أهداف من خلال هذه السياسة، وهي:
أولاً: التهام مساحات شاسعة خالية من السكان من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة المستوطنات على هذه الأراضي بحيث يتم إحكام تقسيم الأراضي الفلسطينية الى "كانتونات" غير متصلة وغير قابلة للحياة.
ثانياً: استخدام سياسة التهجير القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية كأداة عقابية وترهيبية ضد الفلسطينيين تماماً كما حدث في مخيمات الشمال، حيث تسعى من خلال هذه السياسة الى إرهاب وتخويف باقي المخيمات الفلسطينية حتى لا يكون مصيرهم نفس مصير مخيمات الشمال!
ثالثاً: توسيع نطاق الهجرة الخارجية لسكان الضفة الغربية نتيجة للهجرة الداخلية والضغط على الموارد والخدمات التي تقدمها السلطة الوطنية للمواطنين المهجّرين بما يساهم بزيادة عمليات الطرد غير المباشر التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
باعتقادي، إن أولى الخطوات الواجب القيام بها من أجل مواجهة هذه السياسة الإسرائيلية غير القانونية هي رفع قضايا أمام المحاكم الدولية والوطنية في الدول الغربية من أجل محاسبة إسرائيل على جريمة التهجير القسري في الضفة الغربية، ومطالبة المنظمات الدولية باستصدار قرارات ملزمة لعودة هؤلاء المهجّرين إلى بيوتهم. أما الخطوة الثانية المطلوبة فتكمن في تعزيز صمود المواطنين المهجّرين وتحسين ظروفهم الحياتية حتى لا يضطروا للهجرة الخارجية.
وأخيراً، يمكن القول إن منع إسرائيل من استنساخ تجربة غزة إلى الضفة الغربية يجب أن يكون ضمن أهداف وسياسات المجتمع الدولي ومؤسساته، كما أشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" نفسه. ففي كلتا الحالتين هدف التهجير القسري حاضر في السياسة الإسرائيلية. وفي كلتا الحالتين، أيضاً، منع سياسات التهجير يُعد من صلب أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، لأنه مرتبط أساساً بجوهر هذا المشروع وهو إقامة الدولة الفلسطينية.





