هل يغرق ترامب بالتفاصيل أم يغرقنا بها؟
بهاء رحال
بهاء رحال
منذ عاد إلى الحكم في البيت الأبيض الأمريكي، والرئيس ترامب في كل قضية يدخل في تفاصيل التفاصيل، حتى يظن المتابع أنه رجل التفاصيل، لا رجل المال والصفقات السريعة والمفاجئة، وكلاهما يخدم تطلعات ترامب الذاتية لنفسه، فهو غارق في حب الذات إلى درجة عالية كشفت عنها بشكل رئيسي زياراته إلى المنطقة، وتصريحاته المتكررة، وطريقة تعامله مع القضايا المتعلقة بالسياسة والاقتصاد، أبرزها حرب الإبادة في غزة ومؤتمر شرم الشيخ، ثم الإفراط الكبير في مديح نفسه والتباهي المقيت عبر منصة كنيست الاحتلال.
أن تضع خطة لوقف الحرب مكوّنة من عشرين بندًا مزدحمًا، هذا أمر غير مألوف، ودليل على تعلق ترامب بالتفاصيل التي لم تؤدِّ إلى وقفٍ نهائي للحرب، في ظل حكومة نتنياهو التي تحب هي الأخرى التفاصيل، من باب خلق مبررات استمرار حربها، وهي تتخذها كعراقيل دائمة، ليس في غزة فحسب، بل في المنطقة التي أصبحت خاضعة تحت ضرباتها وعمليات قصفها واستهدافها المستمر، وهذا ما سعى إليه نتنياهو، وما رأى فيه شيئًا يمكن استخدامه بالالتفاف على التفاصيل؛ فبدلًا من أن تُشرح كافة القضايا، أصبح كل بند يحتاج إلى تفاسير واستدراكات تُشتِّت بنود الاتفاق، وتجعله هشًّا ضعيفًا قابلًا للانهيار في أي لحظة.
البنود الطويلة في خطة ترامب لم توقِف عمليات القتل في غزة، وإن هدأت وتراجعت أعداد الشهداء والجرحى، وقرار مجلس الأمن 2803، الذي أقرّ خطة ترامب بكل بنودها، لم تبدأ عملية تطبيقه بعد، بل إن تداعيات كثيرة على الأرض تجعل الأمر وكأنه هشٌّ سريع الانهيار، وستُعاوِد الحرب من جديد.
إن التلكؤ في تطبيق خطة ترامب يعني الغرق في تفاصيلها، وهذا يزيد من الأعباء على الناس الذين يتطلعون إلى أن تنتهي معاناتهم ويتوقف مسلسل قتلهم وتجويعهم، وأن يعيشوا بأمن وأمان بعيدًا عن ويلات الحرب والقصف والموت والخوف والنزوح. وهذا يستدعي عدم التباطؤ في تنفيذ الخطة، وأن تبدأ عمليات الإعمار وإزالة الركام، وإنهاء الحصار وإدخال المساعدات الدوائية والغذائية، وأن ترعى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عملية توزيع الغذاء والدواء، لكي تتخلص غزة من تغوّل السماسرة والتجار الذين لم يرحموا الناس، بل ضاعفوا الأزمة وقاموا بالاستغلال البذيء لاحتياجات المواطن في غزة الذي وقع ضحية لا حول لها وسط كل ما حدث ويحدث.





