انا والطبيب والحياة (1) قراءة في نص تقديم الأخ د. المتوكل طه لكتاب “أنا والطبيب والحياة”

محمد قاروط أبو رحمه

أكتوبر 17, 2025 - 19:55
أكتوبر 17, 2025 - 19:58
انا والطبيب والحياة (1)    قراءة في نص تقديم الأخ د. المتوكل طه لكتاب “أنا والطبيب والحياة”

انا والطبيب والحياة (1)

قراءة في نص تقديم الأخ د. المتوكل طه لكتاب “أنا والطبيب والحياة”

محمد قاروط أبو رحمه

(الملخص: الأخ د. المتوكل طه ليس بحاجة الى شهادتي، فهو شاعر فلسطين الأول، والاديب المنافح العنيد عن هويتها. لكن إعادة قراءة تقديمة لكتاب انا والطبيب والحياة يسر العقل وينميه، ويبهج العاطفة ويدفعها للعمل.)

أحد عاداتي إعادة قراءة ما اكتبه، او ما كتبه عني، او كتب عما كتبت، على فترات متباعدة. والهدف من إعادة قراءة ما اكتبه، هو ملاحظة التطور الذاتي من جهة ومن جهة أخرى معرفة المعرفة والمهارة الضمنية التي امتلكها حتى أتمكن من تفسيرها، ونقلها من المعرفة والمهارة العارضة الى المعرفة والمهارة الواعية. المعرفة والمهارة الواعية تندمج بالنظام المعرفي والواعي للفرد، فيصبح توظيف هذه المعرفة أكثر قصدية وقابلة للتعميم. 

والهدف من قراءة ما كتب لي او ما كتب عني، هو التعلم وتطوير قدراتي، واستكشاف نقاط الضعف والقوة في شخصيتي في وقت كتابة هذه النصوص، وما التقدم الذي أحرزته، وما الذي يجب ان أقوم به لمزيد من سد الفجوات والثغرات في شخصيتي ونظامي المعرفي، وتعزيز وتطوير نقاط القوة؟ 

قراءة في نص الأخ د. المتوكل طه تقديم الكتاب:

نص التقديم: 

حكمة "أبو رحمة" المُقطّرة؛

خُلاصة المعرفة لتخليص الشوائب

 المتوكل طه

الكتابة بَرٌّ يغري باللهاث على بساطه المفرود. غير أن حامل القلم يكتسب جرأة الكتابة من شعوره بالامتلاء، وقدرته على الفيض، لكنه قد لا يرى تجاعيد صارمة، قد تعترضه بالضرورة، فتدمي سنّ قلمه، وقد يرتجف، أو يكابر فيكون كمن يخطّ على الماء، أو يمتلك صهوة الخوض في غمار الاجتراح وعجاج الخَلْق، ليخرج ظافرا بالغنيمة.

الكتابة فخٌّ أنيق ندّاهٌ، يجترئ عليها الكثيرون. فيعود أكثرهم وقد اكتفوا بشرف المحاولة، ما يعزّز التواضع ومعرفة حدود الذات. وقليلون مَن استطاعوا احتمال البقاء في هذا الدرب الملغوم، الذي يتفجّر لظىً تحت الأقدام، وليس ينابيع، بالضرورة.

الكتابة مسؤولية تقوم على حمولة رجراجة متنوعة باذخة، تستمد من نسغها ماء الحبر الساطع بالفكرة المدهشة، وبإلمام وإحاطة بأدوات الكتابة، دون رفْع الكُلفة مع هذه العناصر المتكاملة، حتى يبرق النصّ ويصبح قادرا على الحضور والنفاذ والمنافسة. فالكتابة معرفة واطلاع ومتابعة وجمع لكل رحيق من كل زهرة، تختمر في الوجدان، حتى تنبض وتهجس وتحبو، وتقدّم شهدَها الرّيان الخاص من معمل الكاتب، ومن خلاله، بعد أن ينجو من ظلال الكُتّاب المُكرّسين والمدارس السائدة.

الكتابة الحقّة الناضجة الفوّاحة بالنضوج والفنّية، هي السّحر الأخّاذ القادر على أن يدفع المتلقّي للانفعال ثم الفعل، بما أملاه المتن عليه، بمكوّناته المذهلة.

والكتابة، حسب آخر النظريات، أو بعضها، تقول بأن الأشكال الأدبية عليها أن تسيل على بعضها البعض، لتكوّن لوحتها الخاصة والجديدة، فلا بأس من تعانق الشِعر بالنثر، وتعالق المقال بالسيناريو، وأخذ القصة من التشكيل، واستقراض الرواية للمسرح، وعجن كل ذلك، أو تضافره، ليأتيَ ضفيرةً غير مسبوقة بمحتواها وصورتها.

ذلك لأن أي نصّ هو نصّ حياة، بالفعل، عليه أن يمور بكلّ ما هو قائم ويدب. لأنك لا تستطيع أن تفصل أيّ مكوّن عن آخر، في الواقع، بكل صخبه وتآلفه وتناقضاته.

وهنا؛ نقف أمام كتابٍ شديد الخصوصية، من حيث الشكل والمضمون، ففيه جلّ الأشكال الكتابية، ويذهب في توجّهه نحو التعليم والتدريس والتلقين الواعي، وكأنه خُلاصات مكثّفة، استمدّها الكاتب من مسيرته المليئة بالتجارب، والمرنّقة بالصعوبات والأسئلة والتحدّيات. إنها الحكمةُ المقطّرة التي يتغيّا مبدع هذا الكتاب لأن يقدّمها جاهزة سائغة، لتروي قلب وعقل القارئ، لعله يفيد من هذه الزبدة الدّسمة الطيّبة.

والكاتب، هنا، يأخذ بكل أسباب الإقناع، ويستمدّ من التراث والمراجع وما صدر من أدب وفكر وأحداث، ويجمعها حزمة متكاملة، يقدّمها دفعة واحدة، لتمرير مرافعته وإيصالها للمستمع، ليقنعه بما يريد.

ولعل الكاتب الصديق المناضل محمد قاروط "أبو رحمه"، المولود في مخيم جنين بعد النكبة بتسع سنوات، وقد لجأ أبواه من أم الفحم، هو الفدائي الناصع المقاتل، منذ مطلع السبعينيات، في حمأة الثورة، والمنشغل بتأصيل مدارك الأشبال وإعداد الكوادر في حركة فتح العملاقة، والمعنيّ بتدريب العناصر الحركية بما يحقق لهم المعرفة والإجابة على الأسئلة الصحيحة، ويخلّصهم من الشوائب وهوامش الخطأ والسواد.

إن تحيّز الصديق المثقف أبو رحمة لحركة فتح جعله لا يرى سواها، وينافح عنها، إذ قدّ معظم حياته في صفوفها، ويبدو طبيعيا هذا الانحياز الحاسم لها، لكنه راح إلى حقول شائكة وهو يناجز الآخرين حول فكر فتح ومبادئها وتوجهاتها، بمعنى؛ أنه دخل إلى نصوص مقدّسة، مثل القرآن الكريم، ليثبت وجهة نظره. على رغم أن تأويله لتلك النصوص أمرٌ مُختَلفٌ فيه، ويحمل دلالات ومعاني أخرى، قد تناقض ما ذهب إليه.

وأخي أبو رحمه مثقف موسوعي، ولديه قدرة فائقة في تسخير المقولات والفلسفات والمعارف الإنسانية، ما يجعله معلّما بامتياز، ويجعل من نصوصه، على تنوّعها، مراجع تختصر الكثير من العناء على القارئ. 

يا صاحب اللغة والخطاب الساطع، يا صديقي المبدع المناضل الذي لا يفتر! أيها الناسك الفتحاوي الجميل.

يا ابن فتح الغلّابة، الأوّاب في لواوينها الدامية، ومحاربها العالية النورانيّة، والمعلق من قلبك في أجراسها المتصادية! أرى أشعة الفتح على أعمدة النور، كأنها الخرّوب الفتيّ أو عنقود البلاد الأشقر، أو زاد النحلة الشهيدة، أو أحلام الحقائب العابرة إلى الغد الفسيح.

وأرى التراب الذي عصروه فسال العرق والدم والغضب. وسمعت المنادي، كأنك هو ذاته حكواتي المقاتلين الليلي ومتسحراتي النهار، فجاءت الحروف تبشّر بالضوء والزلزال. وناديتَ، لقد سمعناك، فَحَضر الأبدُ الفلسطينيُ، يجرّ النجوم في عباءته، ويطأ الأرضَ فتنشرخ كالأنهار أمامه، وتفرّ الأشباحُ، وقد ضاق بها الكوكب..

وثمة طفل يلعب في ساحة مخيم جنين مع الحَمام، ويرسم الطريق نحو الساحل.

وليس آخرا؛ كل الشكر الموصول لك على ما قدّمت وتقدّم، على كل الأصعدة والمستويات، وأراك ممتلئاً بالتفاؤل، تربت على الأفئدة المنتمية، وتفتح أمامنا نوافذ العيد الكبير.

شكرا جميلا أيها المقاتل الأجمل.

قراءة في نص الأخ د. المتوكل طه

يظهر النص المظاهر الفكرية والمعرفية والفلسفية والإنسانية، التي تعكس عمق النص وجماله وتوجهه نحو القارئ بشكل شامل. 

يظهر النص الوعي بالذات والتجربة، حين يعرض المتوكل طه كيف أن الكتاب لا يروي قصة الكاتب من موقع الضحية، بل من موقع الواعي الذي يرى ما بعد الألم.

ويميز بين الألم الجسدي والشفاء الروحي، في فهم الكاتب أن المرض لم يكن نهاية، بل كان بداية لتحول في الرؤية.

لا يفوت الأخ المتول طه ابراز الإدراك العميق لقيمة الحياة والتجربة الإنسانية، لإنه هو المتوكل طه يعلمنا قيمة الحياة والتجربة والانسانية.

 وان رؤية المتوكل للمرض، تستند الى فكرة تناول الحياة من خلال المرض، مما يظهر وعيا إدراكيا عميقا بأن الألم مجرد أداة لفهم أعمق.

ويظهر نص المتوكل الفلسفة الوجودية ويظهرها في تأمل الكاتب للمرض، والموت، والمعاناة كجزء من معنى الحياة وليس ضدها. ويظهر الفلسفة الإنسانية، حين يربط النص بين الطب والحب، وبين الجسد والروح. ويظهر أن الموت ليس نقيض الحياة، بل جزء منها، والحوار بين الحياة والموت لا يتوقف.

كما وان الإشارة إلى أن "الطبيب الحقيقي هو الذي يرى في المريض إنسانا"، يوضح موقفا فلسفيا بأن القيمة لا تكمن فقط في الشفاء الجسدي.

يظهر نص الاح المتوكل القدرة على اظهر التفكير المعرفي من خلال التأكيد على اهمية تحليل التجربة الذاتية، وربط التجربة الفردية بالمفاهيم العامة، وإعادة التفكير والتعلم من التجربة بدلا من تقديمها كتجربة سلبية او إيجابية فقط، والتأكيد على اهمية اعادة تقديمها كتجربة تعليمية.

ولا يمكن ان يتجاوز نص المتوكل مظاهر الأخلاق، مثل الرحمة والتعاطف، المسؤولية الفردية، التواضع المعرفي. ويستخدم المتوكل طه عبارات مثل "تتجلى الأخلاق في مواقف الألم" حيث يربط الأخلاق بالفعل الإنساني اليومي، وليس بالخطب الرنانة.

ونتعلم من نص المتوكل أهمية التفكير التأملي، والتفكير النقدي، والتفكير الإبداعي في طريقة السرد واللغة المستخدمة. ولا ينسى المرور على التفكير الفلسفي، في طرح الأسئلة حول الحياة، الوجود، الألم.

يكتب د. المتوكل أن الكتاب “ليس سردًا فقط، بل خطاباً فلسفياً بامتياز”، مما يدلل على تعدد أنواع التفكير التي استخدمها في نصه.

نص المتوكل طه في تقديمه للكتاب يحمل إدراكا حادا، ونصا يعبر فيه عن تفكير معرفي وفلسفي، يستند إلى منظومة أخلاقية واضحة، وظهر أنواعا متعددة من التفكير تجعل من النص ليس فقط تقديما للكتاب، بل تجربة فكرية مكتملة قائمة بذاتها.

شكرا لكم الأخ د. المتوكل طه. امل ان أكون قد انصفتك

تقديم الأخ د. المتوكل طه للكتاب الذي يحمل العنوان "انا والطبيب والحياة" الصادر عن دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين، 2024، والذي تم اشهاره في هيئة التدريب العسكري، معهد التدريب العسكري اريحا بتاريخ 6/1/2025. بحضور عدد من الكتاب منهم المتوكل طه والاخ بكر أبو بكر.

الكتاب متوفر الكترونيا في موقع مكتبة نور الإلكترونية.