نتنياهو فاشيّ ووقِح
محمد علوش

محمد علوش
ليس بنيامين نتنياهو استثناءً داخل البنية السياسية الإسرائيلية، بل هو التعبير الأوضح عن جوهرها الحقيقي.
إنّه الوجه الأكثر صراحةً للفاشيّة المتجذّرة التي ولدت مع قيام هذا الكيان على أنقاض شعب كامل، وهويّة مغتصبة، وأرض تنتهك منذ أكثر من سبعة عقود، ونتنياهو ليس أول من يقتل الأطفال الفلسطينيين، ولا الوحيد الذي يغتال الأحلام في مهدها، لكنه –بلا شك– الأوقح، والأكثر استثماراً في الكراهية، والأبرع في تحويل الجريمة إلى خطاب رسميّ.
في تاريخ قادة الاحتلال، لم يكن هناك "حمائم" حقيقيّة، بل مجرّد اختلاف في الدرجة والنبرة، فكلّهم مجرمو حرب بدرجات متفاوتة، غير أنّ نتنياهو ارتقى إلى مستوى جديد من التوحّش السياسي، لا يخجل فيه من إعلان نواياه الإجراميّة على الملأ، ولا يرى في "السلام" سوى وسيلة لإعادة ترتيب أدوات القتل، وسابقيه حاولوا أحياناً تغليف العدوان بمساحيق دبلوماسيّة، أمّا هو، ففضّل أن يظهر على حقيقته: فاشيّ، عنصريّ، استيطانيّ حتى العظم، وقاتل لا يعرف معنى الرحمة.
لقد حوّل نتنياهو ما يسمّى "الديمقراطية الإسرائيلية" –تلك الكذبة التي طالما انطلت على الغرب– إلى نظام فاشيٍّ متكامل الأركان، لا يحكم بدعم من اليمين المتطرّف فحسب، بل يقوده ويغذّيه ويشرعن جرائمه عبر القوانين والسياسات، وليس غريباً أن تبلغ إسرائيل في عهده مستويات غير مسبوقة من القتل الجماعي، والتمييز العنصري، والقمع الممنهج للفلسطينيين في الداخل والخارج.
نتنياهو ليس طارئاً على هذا النظام، بل هو الابن الشرعي لمؤسسة استعمارية استيطانية لا تعترف بالآخر إلا كعدوّ، جاء من خلفيّة صهيونية متطرّفة، ونشأ في بيئة ترى في العرب تهديداً أبديّاً، وفي الأرض ملكية حصرية لليهود، ومنذ شبابه لم يخفِ انحيازه للعنف، ولم يكن يوماً رجل تسويات، بل مفاوضاً بالسلاح، وخطيباً بالدم، وسياسيّاً بارعاً في تحويل الحقد إلى رصيد انتخابيّ.
قد يقول قائل: وماذا عن بقيّة القادة والجنرالات.. أليسوا جميعاً شركاء في القتل والاحتلال؟ بلى، ولكن نتنياهو يختلف عنهم بأنه لا يشارك فقط، بل يقود ويوجّه ويؤدلج، وهو من حوّل الجيش إلى آلة قتل بلا ضوابط، وهو من شرعن استهداف المدنيين في الخطاب الإعلامي والسياسي، وهو من جعل خطاب الكراهية جزءاً من المناهج الدراسية ولغة الدولة الرسمية، ولم يعد الاحتلال عنده ضرورة أمنية، بل جوهراً وجوديّاً لا يمكن تصوّر إسرائيل من دونه.
إنّ وقاحة نتنياهو لا تتجلّى فقط في أفعاله، بل في تبريراته السافرة لها، حيث يقف أمام العالم متحدثاً عن "الأخلاقيات العسكرية"، بينما تنزف غزّة وتدفن العائلات تحت الركام، ويتشدّق بـ "حق الدفاع عن النفس" فيما طائراته تغرق الأحياء السكنية بالقنابل، وهو كاذب محترف، والأخطر أنّه صدّق كذبه، وأصبح يروّجه بصفاقة منقطعة النظير.
قد ينجو اليوم بتحالفاته الدولية، وبالصمت الغربي، وبالفيتو الأمريكي، لكنه لن ينجو من ذاكرة الشعوب، وستكتب الأجيال القادمة عن نتنياهو لا كزعيم لدولة، بل كقاتل بوجه رسميّ، وكرمز للفاشية والعنصرية، وكدليل على الانهيار الأخلاقي لكيان لا يعرف إلا الاحتلال، وسيسقط كما سقط كلّ طاغية قبله ظنّ أن دباباته قادرة على حفظ مجده.