الخيار العربي الاستراتيجي مع إسرائيل

أبو شريف رباح

أكتوبر 20, 2025 - 12:44
الخيار العربي الاستراتيجي مع إسرائيل

الخيار العربي الاستراتيجي مع إسرائيل

أبو شريف رباح
20\10\2025

منذ أكثر من عقدين تبنى العرب ما سمي "بالخيار الاستراتيجي للسلام مع إسرائيل"، وهو المصطلح الذي خرج من رحم القمم العربية، وفي قمة بيروت عام 2002 أقرت الدول العربية مجتمعة مبادرة السلام العربية كمرجعية شاملة لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، وهي خطة قدمها الأمير عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد السعودي آنذاك) في قمة بيروت عام 2002. 

وكان الهدف من هذا الخيار الانتقال من منطق الصراع العسكري إلى منطق التسوية السياسية بعد أن أثبتت التجارب العسكرية السابقة أن الحروب المباشرة لم تعد قادرة على تحقيق ما عجزت عنه الدبلوماسية وأن موازين القوى باتت تميل لصالح إسرائيل المدعومة أمريكيا في ظل تراجع الموقف العربي وتشتته وهذا ما أظهره العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

وجاء خيار العرب الاستراتيجي للسلام كمحاولة لتثبيت موقف عربي موحد أمام المجتمع الدولي يقوم على الاعتراف المتبادل وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 مقابل تطبيع كامل للعلاقات بين العرب وإسرائيل.

لكن ما بدا خيارا عقلانيا في زمن الانقسام والضعف العربي تحول إلى عبء سياسي وأخلاقي على العرب أنفسهم، فإسرائيل لم تلتزم بأي من بمبادرة السلام العربية واستمرت عدوانها وتسارع بناء المستوطنات وتهويد القدس ومحاصرة الفلسطينيين، بينما اتجهت بعض الدول العربية إلى التطبيع المنفرد تحت ذرائع المصالح الوطنية والتحولات الإقليمية، ما أفقد الموقف العربي توازنه ومصداقيته بين الأمم. 

وأصبح الخيار العربي للسلام بعد ما سمي بالربيع العربي، خيارا اضطراريا لا استراتيجيا بعد أن غاب التوازن في معادلة الصراع فتحول السلام إلى شعار بلا مضمون تستخدمه إسرائيل لتجميل وجه احتلالها وتستخدمه بعض الأنظمة العربية لتبرير صمتها أمام شعوبها التي ما زالت ترى أن سلاما لا يقوم على العدالة ولا يعيد للفلسطينيين حقوقهم هو سلام ناقص لا يحمل سوى طعم الهزيمة المؤجلة.

اليوم ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير والتهجير القسري على غزة، يبدو أن خيار العرب الاستراتيجي مع إسرائيل بات بحاجة إلى إعادة مراجعة جذرية فإسرائيل لا تؤمن إلا بمنطق القوة ولا ترى في السلام إلا وسيلة لتكريس احتلالها، وإذا أراد العرب فعلا أن يكون خيارهم استراتيجيا فعليهم أن يعيدوا تعريفه على أسس جديدة، سلام يقوم على الندية لا على الخضوع،
وعلى العدالة لا على التنازلات، وعلى وحدة الموقف العربي، لا على اتفاقات التطبيع المنفردة، ذلك هو السلام الحقيقي الذي تريده شعوب هذه الأمة لا سلام الأقوياء على حساب الضعفاء.