الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة
بداية، حتى يتم حسم الجدل وقضايا "الفنتازيا الكلامية والببروغندا" والصخب الإعلامي حول وجود خلافات إسرائيلية- أمريكية حول الحرب المتوحشة التي تشن على شعبنا في قطاع غزة، علينا ان ندرك أن صاحبة مشروع هذه الحرب هي أمريكا، وهي من تقودها عسكرياً وأمنياً على شعبنا في قطاع غزة، وبأن الخلافات الأمريكية - الإسرائيلية، مهما تعاظمت فهي تجري في الإطار التكتيكي، وتحت سقف مرسوم ومحدد من قبل الدولة العميقة الأمريكية، وفي إطار سيطرة الصهيونية العالمية على القرار الأمريكي- الإسرائيلي وتحت سقف "أمريكا صهيونية" واسرائيل قاعدة متقدمة لأمريكا في المنطقة لحماية وخدمة مصالحها الإستراتيجية، وهي الحليف الموثوق، ولا يمكن لأمريكا ان تثق بدول تابعة من الدول الوظيفية العربية من "الشرق المتوحش".
وحتى نقرب الصورة الى الذهن وندعمها بقراءة دقيقة، ضمن الانتفاضة "الطلابية" التي تجري وتتصاعد في الجامعات الأمريكية وانتقلت منها الى الجامعات الأوروبية الغربية، شاهدنا شدة القمع والتوحش التي تعاملت بها شرطة "الغرب المتحضر" مع طلبة الجامعات وهيئاتها التدريسية، ورأت في تلك الإنتفاضة تهديدا لأمنها القومي، وبالمناسبة هي خاضت حربها على شعبنا في قطاع غزة، تحت شعار" حماية أمنها القومي. وكذلك حكومة ودولة الإحتلال بكل أركانها وأجهزتها شاركت وتشارك في الحملة على الإنتفاضة الطلابية، وتعتبرها شكلا من أشكال العنصرية واللاسامية في شعاراتها، وخاصة شعارها الإستراتيجي "فلسطين من النهر الى البحر"، وهذا استدعى عقد جلسة للكونغرس الأمريكي، لكي يعتبر هذا الشعار لا سامي، يجرم ويدان من يرفعه او يقول به. وكذلك على صعيد مطلبها التكتيكي، بالمقاطعة وفك الشراكات مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية الإٍسرائيلية، وكذلك المقاطعة الاقتصادية للشركات والمؤسسات التي تستثمر اموالها في اسرائيل والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وبالنظر لخطورة مثل هذه التظاهرات وما لها من تداعيات عميقة على المجتمع الأمريكي، والتفكير السياسي للشباب وإنهاء السيطرة الإعلامية والثقافية للصهيونية العالمية على تلك المؤسسات، التي يشكل طلبتها النخبة والصفوة في تولى مفاصل القرار السياسي والإقتصادي الأمريكي المستقبلي، عقد الكونغرس الأمريكي جلسة استجواب لرئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق، المعروفة باسم مينوش، والتي لم يشفع لها موقفها السلبي المعادي للاحتجاجات، ربما لأنها من أصول شرقية (مصرية) ليتم سؤالها إن كانت تعلم بميثاق الرب مع إبراهيم حول مباركة (إسرائيل)، وان مباركة (إسرائيل) هي الطريق لمباركة الرب، وإن عدم مباركتها أمر يؤدي إلى إغضابه وحلول لعناته، وإن من وظيفة رئيسة الجامعة العمل على أن لا تكون تلك الجامعة ملعونة بإرادة ربانية.
لا توجد خلافات في داخل دولة الاحتلال حول الحرب، بل هي خلافات تتعلق بالتفاصيل، ومدى قدرة وكفاءة الحكومة الحالية على إدارتها ولا خلاف مع الأمريكي حول معركة رفح، بل الخلاف يتمحور حول خطط التنفيذ واعداد القتلى من المدنيين.
الحرب من وجهة نظري في طريقها للاتساع، وخاصة على الجبهة الشمالية، التي باتت تشكل صداعا دائما لدولة الإحتلال، ويبدو أن كل الوساطات والضغوط وحملات الترهيب والترغيب، لم تثمر في دفع حزب الله اللبناني، لتبريد الجبهة او فك إرتباطها بقطاع غزة، وهي كذلك لم تفلح في عودة عشرات الآلاف المستوطنين المهجرين قسراً وطواعية من مستوطناتهم الشمالية، ولذلك لا خيار سوى استمرار الجبهة في قتالها العنيف، بعيداً عن المجابهة الشاملة، قبل الإنتهاء من جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية، فجيش الاحتلال بعد حالة التآكل والتراجع في قدراته وما يشهده من إنهاك في معنوياته واستعداداته في الحرب التي يخوضها في القطاع منذ سبعة شهور، دفعت به الى المزيد من الأزمات والتفكك والإستقالات على خلفية الفشل الأمني والإستخباري في معركة السابع من اكتوبر، استقالات طالت قيادات عسكرية وازنة، رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية والأمنية "أمان" أهارون حليفا، وسبقه في تلك الإستقالة، إستقالة رئيس قسم لواء الأبحاث في جيش الإحتلال، عميت ساغر، والناطق الرسمي لوسائل الإعلام الأجنبية في الجيش، وأيضاً إستقالة قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس، وصولا الى استقالة اربعة عمداء ميدانيين، وكذلك تصريحات رئيس أركان جيش الإحتلال هيرتسي هليفي، بأنه سيستقيل حال توقف الحرب في قطاع غزة.
مشروع هذه الحكومة في الضفة الغربية، والتي تشهد تصعيدا إحتلاليا غير مسبوق من قبل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وكذلك إطلاق يد المستوطنين، لتنفيذ اعتداءات ممنهجة بحق المدنيين الفلسطينيين في القرى والبلدات الفلسطينية على طول وعرض الضفة الغربية، بغرض ضم أكبر مساحة ممكنة من أراضيها لدولة الاحتلال، وطرد وتهجير أكبر عدد من السكان الفلسطينيين، وخاصة من المناطق الشرقية في الضفة الغربية، وحشرهم في معازل، ومصادرة أراضيهم ومصادر رزقهم، كما يحدث في الأغوار ومسافر يطا وبادية القدس وعرب الرشايدة وغيرها من الأرياف الفلسطينية.
من يعتقد أن هذه الحرب ستتوقف فهو واهم، فتوقف هذه الحرب الآن يعني هزيمة اسرائيل وبالتالي هزيمة أمريكا، وما يجعل أمريكا تستميت من أجل أن تكون هناك صفقة تبادل وعقد هدنة مؤقتة، هو السعي لتبريد حدة "الإنتفاضة" الطلابية التي اجتاحت جامعاتها، وكذلك سقوط آلآف القتلى من المدنيين في معركة رفح وفق التصور الإسرائيلي، سيعمق من تلطيخ صورة أمريكا الملطخة حول شراكتها لدولة الإحتلال في الحرب الإجرامية التي تشن على شعبنا في القطاع، وكذلك المخاوف الكبيرة من أن تصدر محكمة الجنايات الدولية، أوامر اعتقال بحق قادة اسرائيل، نتنياهو وغالانت وهليفي، واعتبارهم مجرمي حرب، وأيضاً الخوف من أن تقدم الأمم المتحدة على إدارج اسرائيل على اللائحة السوداء الى جانب الدول والحركات الإرهابية من أمثال داعش وبوكو حرام وغيرها.
الحرب من وجهة نظري مستمرة، فكل هو مطروح على المقاومة الفلسطينية من قبل الإدارة الأمريكية وما يسميه بلينكن وتابعه كاميرون وزير الخارجية البريطاني، مما يعرف بالعروض "السخية" و"الذكية" التي يجب على حماس والمقاومة ان تستغلها، ويجري تجنيد الدول العربية الوظيفية من أجل الضغط على حماس والمقاومة لقبولها، لا يتعدى الهدن المؤقتة وإستعادة الأسرى الإسرائيليين مع توسيع إدخال المساعدات الإنسانية، غذائية وطبية ومحروقات للقطاع، فالهدوء المستدام لا يعني وقفا لإطلاق النار، ولا فكا للحصار ولا إنسحابا شاملا ولا التزاما بإعادة إعمار، بل ما لم يستطع نتنياهو وحكومته الحصول عليه في الحرب، يريدون الحصول عليه بالمفاوضات، عبر نزع سلاح المقاومة، وبقاء جيش الاحتلال في مناطق محددة بالقطاع وإدارة المعابر وترحيل قادة المقاومة وبالتحديد قادة كتائب القسام.
استناداً الى ذلك أقول، بأن الحرب مستمرة ومتواصلة، والمقاومة التي دفعت كل هذه التضحيات، في إعتقادي من المستبعد أن توافق على مثل هذه الصفقات، فهي تدرك المقاصد والمرامي الخبيثة لمثل هذه الأطروحات، ولو ان من دول النظام الرسمي العربي من يستفيق من غيبوبته السياسية وإنفصاله عن الواقع لأدرك حقائق الموقف الأمريكي والأوروبي الغربي، فعندما يرد بلينكن في السعودية على ما طرحته عليه السداسية العربية، من رسم خارطة طريق لإقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات، والقول لهم بان إقامة الدولة الفلسطينية فقط من خلال موافقة اسرائيل عليها وبشروطها، لقالوا له بصوت واحد إرحل، وكما يقول الماثور الشعبي "درب تسد وما ترد".