شروط التبادل مدخل لإفشال مخطط المنطقة العازلة والتطهير

ليس تنفيذ صفقة تبادل جديدة بالأمر اليسير مطلقاً، فبين ما تطرحة المقاومة من شروط للبدء في التفاوض حول الصفقة، وبين ما يطرحه الكيان بون واسع جداً. ما تطرحة المقاومة وقف شامل وتام للعدوان، وانسحاب الجيش لما قبل 7 أكتوبر، وعودة النازحين لأماكن سكناهم خاصة في الشمال. وكل ذلك ينبغي ان يكون مقدمة لعملية سياسية تنهي الحصار تماماً، وتفتح الطريق لإعمار ما دمره الاحتلال الذي يعلن عدم القبول به الآن، لأنه سيعني فعلياً استسلام تام له، وإعلان فشل حربهم البرية، ناهيك عما سيعنيه القبول بشروط المقاومة من عن عدم تحقيق الهدفين الأساسيين للحرب: تدمير حماس وتحرير الاسرى الاسرائيليين، علماً ان جنرالات وكتاب وصحافيين أعلنوا مراراً فشل تحقيق هذين الهدفين.
نقول (يعلن الاحتلال عدم القبول به) ولكن مع استمرار المقاومة بتوجيه ضرباتها الموجعة والمؤثرة في الجيش، وهذا يتجسد يومياً وله تعبيراته، ولعل أهمها سحب لواء جولاني او إحدى كتائبه بفعل ضربات المقاومة، وكذا مع استمرار القدرة على إطلاق الصواريخ حتى عمق مدن الكيان في الوسط، ، ومع استمرار الحاضنة الشعبية بالإلتفاف حول المقاومة، رغم أكثر من 70 ألف شهيد وجريح، والتدمير الواسع للمنشآت والمنازل والمستشفيات والمدارس، التفاف هو في حقيقته غدا ظاهرة إعجازية تاريخية، ومع استمرار تعمق ظاهرة عزلة الكيان عالمياً وانحياز الرأي العام الشعبي العالمي للرواية الفلسطينية، ومع استمرار تعمق الأزمة الداخلية لدى الكيان، ومظهرها الأبرز عزلة مواقف نتنياهو وفريقه، وهي غير مسبوقة اساساً، نقول مع استمرار كل ذلك، ففي لحظة ما لن يكون أمام الاسرائيليين إلا البحث عن صيغة للتراجع هي ستكون فعلياً صيغة مبطنة لإعلان الهزيمة. حينها، وهذا ربما يحتاج لاسابيع إضافية، سنكون أمام صفقة تبادل وفق شروط المقاومة.
ومن الصعب تصور تنازل المقاومة عن شروطها. سقوط أكثر من 70 ألف شهيد وجريح، وتهجير أكثر من مليون ونصف المليون انسان، وتدمير مرافق الحياة الاساسية، وكذا عشرات آلاف المنازل، كل ذلك يعني ببساطة أن هذه التضحيات الجمة والتاريخية، بشرياً وعمرانياً، لا يمكن إلا أن تتحول لثمار تاريخية، بل يجب ان تتحول لثمار تارخية يجنيها شعبنا مقابل هذا الحجم من التضحيات. تضحيات مهولة تتطلب نتائج كبيرة لصالح شعبنا، وهذا ما يسوغ ويبرر وطنياً تمسك المقاومة بشروطها دونما تلعثم، وهو المكلوم وطنياً.
الهدنة المؤقتة مدخل لتجدد التطهير والإبادة ،،،
أما ما يريده نتنياهو ونخبة الجيش فهو هدنة جديدة مؤقتة توفر فرصة لتخدير أهالي الأسرى الصهاينة، ثم تًستأنف حرب الابادة والتطهير والتهجير. حتى اللحظة فالموقف السائد شعبياً لدى مجتمع المستوطنين: أعيدوا الأسرى ثم اذبحوا غزة، وهذا ما يريده نتنياهو والجيش من الهدنة، وهذا ما تدركه المقاومة تماماً. نتنياهو والجيش حتى اللحظة ليس فقط فشلا في تحقيق الأهداف المعلنة في لحظة رغبة انتقامية فاشية افتقدت للقدرة على تحديد (أهداف معقولة)، بل وأيضاً فشلا ولو في انتزاع انتصار شكلي، صورة انتصار. إن الإعلان عن تدمير ميدان فلسطين في مدينة غزة، وتصويره كانتصار انتقامي كون الميدان شهد (تسجيل موقف مقاوم) عند تنفيذ إحدى دفعات التبادل، أو الإعلان الساذج عن (انتصار) بمحاصرة بيت السنوار، أو اقتحام نفق قرب السياج أدى مهمته وانتهى دوره، أو تصوير التدمير الكامل لقاطع المنازل شرقي الشجاعية، العقدة المزمنة، مع هتافات (النصر)، كل ذلك لم يسعف البربوغاندا الصهيونية في تحسين صورة الجيش والحكومة بعد مهانة وهزيمة 7 أكتوبر. وبالتالي يغدو استمرار الحرب (مسألة استعادة هيبة وكرامة) مهدورتين، لذلك يتمسكون بهدنة جديدة للعودة للحرب، ويرفضون حتى اللحظة شروط المقاومة وفي مقدمتها وقف شامل وتام لإطلاق النار.
التطهير مدخل لمنطقة عازلة ،،
لقد استجد في الأيام الأخيرة تطور ميداني تمثل بعملية تطهير مكاني واسعة شرقي وجنوبي القطاع. من بيت حانون والشجاعية شمالاً، مروراً بالمنطار وجحر الديك في الوسط، وصولاً لكرم أبو سالم جنوباً باتجاه البحر ، تجري عملية تدمير واسعة لعمق يصل حتى كيلومتر لإنشاء منطقة عازلة ما بين التجمعات السكانية، والمستوطنات والمواقع العسكرية في غلاف القطاع، أعلن الاسرائيليون السعي لإنشائها، متوهمين أنها ستحمي الكيان من الفعاليات العسكرية للمقاومة لاحقاً.
هذا الهدف الذي أعلنوا عنه قد يخدم هدفين إثنين ايضاً غير معلنين، الأول الضغط على المقاومة أثناء المفاوضات غير المباشرة لصفقة التبادل وفق قاعدة (التفاوض تحت النار)، وهذا لم ينفعهم طوال 81 يوما من الإبادة والتهجير، فاضطروا مرغمين لهدن مؤقتة وتبادلات جزئية، اما الهدف الثاني فهو استخدام هذا السلوك العسكري (كانتصار) يحاولون من خلاله استعادة بعض من المهانة والكرامة المهدورة. رغم كل التدمير والتطهير المكاني المشار إليه إلا أن المقاومة لا زالت فاعلة عسكرياً، وتوقع الخسائر في صفوف الجيش حتى في مواقع التطهير المذكورة، شمال وشرق القطاع وصولاً لجنوبه، وحسب التقديرات السياسية والعسكرية للصحفيين والجنرالات المتقاعدين في الكيان، والتي لا تأخذ إحاطات الناطق باسم الجيش غير الموثوق بعين الاعتبار، فتلك المقاومة في تلك المواقع لن تتوقف لمدى سيطول.
أكثر من ذلك، فحتى جباليا لا زال يقيم فيها ما يقارب ال 800 ألف مواطن فيما العديد من الوكالات الإعلامية اشارت لمحاولات عديدة من سكان المناطق الشمالية النازحين للعودة لمنازلهم، ما يعني أن التطهير والتهجير رغم كل التدمير والتقتيل الفاشي لم ينجح بتهجير السكان خارج القطاع.
لذلك فإن إصرار المقاومة على ربط أية صفقة لتبادل جديد بالانسحاب لما قبل 7 أكتوبر ووقف تام وشامل للنار، يعني ببساطة إفشال لا مخطط التهجير والتطهير فحسب، بل وإقامة المناطق العازلة. لكل ذلك يغدو من المفهوم أن تتمسك المقاومة بشروطها لكل الاعتبارات أعلاه، وهذا ما هو بتقديري اتجاه البوصلة لديها في تعاملها مع قضية الصفقة الجديدة، خاصة انها شروط تحظى بقبول ودعم وموافقة الأطراف الفاعلة ميدانياً في المقاومة كما أعلنت أكثر من جهة، كما أن مطلب الوقف التام والشامل لإطلاق النار غدا مطلباً عالمياً كاسحاً بامتياز، فيما معارضوه من الأمريكان والاسرائيليين يعانون عزلة تشتد يومياً بسبب رفضهم لتنفيذه.