رفض الاحتلال والاستعمار والصهيونية
حمادة فراعنة
حالة من الضرورة يحتاجها العمل والجهد الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي، للتفريق لدى الشعوب الأوروبية والأميركية، بين رفض الصهيونية ومشروعها الاستعماري الإسرائيلي الفاشي العنصري في فلسطين، وبين اليهود واليهودية.
الحركة الصهيونية الاستعمارية العنصرية تعمل للمزج بين اليهود واليهودية، وبين مشروعها الاستعماري الإسرائيلي، وكأن العداء للاحتلال والاستعمار والعنصرية وجرائمهم تعني العداء لليهود واليهودية، هي تريد، وعملت ونجحت في عملية المزج طوال عشرات السنين الماضية، وتحولت صيغة العداء للمستعمرة وكأنها عداء للسامية ولليهود، وكأن الصهيونية هي الممثل الشرعي الوحيد لليهود، وهي قيادتهم، والعاملة على إنصافهم ولملمة توزعهم الجغرافي في بلدان العالم، وكأن المستعمرة هي الحامي والملاذ وموقع الهناء والاستقرار لليهود بصرف النظر عن جنسياتهم وأماكن توالدهم وقومياتهم.
ادعاء الحركة الصهيونية شبيه بادعاء التنظيمات والفصائل الإسلامية الجهادية المتطرفة، أنها تُمثل الإسلام والمسلمين، وهي ليست كذلك، مع أنها تنظيمات إسلامية القيادة والمحتوى ولكن مضمونها اجتهادي غير ملزم، ولهذا فشلت في إثبات وجودها وهيمنتها وإشاعة فكرها وتوجهاتها، وأخفقت في فرض سياساتها وأنظمتها الانقلابية أو الجهادية أو العنيفة على الشعوب العربية والإسلامية، مثلما فشلت وأخفقت التنظيمات النقيضة الأخرى في تسويق نفسها لصالح أنظمة غير ديمقراطية، والخنوع لها تحت حجة الالتزام مع أصحاب الولاية.
الحركة الصهيونية حركة سياسية بامتياز، وظفت الدين، ووظفت معاناة اليهود في أوروبا على يد القيصرية الروسية، والنازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، لصالح فكرتها لإقامة "وطن قومي لليهود" في فلسطين، ونجحت بذلك اعتماداً على مرجعياتها، لدى الدول الاستعمارية الأوروبية التقليدية: 1- بريطانيا بقراراتها من وعد بلفور إلى ناصية الانتداب على فلسطين، وتوظيفها تسهيلاً لاستقبال الأجانب من اليهود الغزاة، وتسليمهم مؤسسات فلسطين ومفاصلها للحركة الصهيونية من العام 1917 حتى العام 1948، 2- وفرنسا بأسلحتها التقليدية والمفاعل النووي والأسلحة الذرية، 3- ألمانيا بدفع اليهود الأجانب نحو فلسطين وتقديم التعويضات المالية لهم بالمليارات.
هذه البلدان وحكوماتها على الأغلب، ما زالت داعمة للمستعمرة رغم الاحتلال واستعمارها وجرائمها في القتل الجماعي والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وهذا ما برز في سياسات وإجراءات ألمانيا وهولندا وبريطانيا وفرنسا، ولكن شعوبهم وشبابهم بدأوا في إدراك ماهية المستعمرة ومشروعها التوسعي، وهذا يعود لسببين:
أولهما، جرائم المستعمرة البائنة الواضحة.
وثانيهما، معاناة الشعب الفلسطيني وتفهم أوجاعه وتطلعاته المشروعة نحو الحرية والاستقلال.
التحولات لدى الشعوب الأوروبية وحتى في الولايات المتحدة تحولات إيجابية، ولكنها غير كافية حتى تكون مؤثرة وتتبدل سياسات حكوماتهم المؤيدة للمستعمرة.