"المرحلة الثالثة" للقطاع وعين الجيش المأزوم على الشمال

يوليو 4, 2024 - 16:13
"المرحلة الثالثة" للقطاع وعين الجيش المأزوم على الشمال

وسام رفيدي

أن تتردد تصريحات العديد من السياسيين والجنرالات والمحللين الإسرائيليين حول استحالة القضاء على حماس والمقاومة، وفي الوقت ذاته يعلن الجيش نيته التوجه لـ"المرحلة الثالثة"، يوضح أن هناك قناعة أكيدة لدى الإسرائيليين بفشلهم العسكري، خاصة بعد العمليات النوعية في رفح والشجاعية، والأخيرة عقدتهم المزمنة.

 أما تحولهم إلى "المرحلة الثالثة" كما يصفونها، فليس بسبب تبجّحات نتنياهو بقرب قضائه على البنية العسكرية لحركة حماس، بل بسبب ورطتهم العسكرية في رفح والشجاعية ووسط القطاع تحديداً، حيث أوقعت المقاومة بهم خسائر جلية غير مسبوقة، وتميزت عملياتها بالنجاعة والاستثنائية والتصميم الإعجازي، فالأفضل والحال هذه سحب الجنود من وسط السكان لضمان تقليل الخسائر، بدلاً من تكرار الخبر اليومي "حدث صعب" الذي أضحى لازمة يومية في إعلامهم. ليست "المرحلة الثالثة" سوى خشبة خلاص من ورطة، أو لنقل السلم الذي سينزل عنه الجيش المهزوم ونتنياهو الذي يفضحه تبجحه المرضي.


ومع ذلك، فالمتغير الذي لا يقل أهمية، بل ونعتقده يفعل فعله كمتغير رئيس منذ شهرين تقريباً، ويدفع باتجاه "المرحلة الثالثة"، وأعلنه الإعلام العبري، هو الرغبة بحل معضلة إسناد حزب الله عبر التوصل لصفقة "تُغري" حزب الله بوقف فعالياته الإسنادية.


أخيراً، وبعد تسعة أشهر، اقتنع الإسرائيليون والأمريكيون، وعبر الإصرار على الإسناد العسكري لحزب الله، وإظهار القدرات النوعية على التصعيد والتطوير المفاجئ، أن وقف الإسناد في الشمال مرتبط بوقف الحرب على القطاع ولا أقل من ذلك. حاولوا الرهان على الضربات العسكرية، فكان رد الحزب تصعيداً غيَّرَ معادلات الردع تماماً، وحاولوا تفجير الوضع اللبناني الداخلي، وفيه غير قليل من المعادين للمقاومة والمرتبطين صراحة بالإسرائيليين، ولم ينجحوا، وحاولوا عبر أدلشتاين مبعوثهم بالترهيب بالحرب، وبالترغيب أحياناً، ولم ينجحوا، فتعمقت أزمتهم. لا يستطيعون الاستمرار في وضع يتلقون فيه ضربات موجعة، و120 ألف مستوطن مُرحلون من مستوطناتهم، دون القدرة على ردٍّ هم مقتنعون بأنه سيقابَل برد أقوى، فتنتفي بالتالي ممكنات حرب مفتوحة ستجر ربما لحرب ليسوا بقادرين عليها، ولا هم بذات الوقت قادرون على عدم الرد، فتتعمق أزمة جيشهم، وعدم ثقة المستوطنين به، وردعية حزب الله له، فكان التفكير بـ"المرحلة الثالثة"، فربما بنتيجتها سيتوقف القتال في الشمال كما يراهنون.


أن ينتهي اجتياح رفح، وتتحول العمليات العسكرية من اجتياحات واسعة لمناطق مأهولة، إلى ضربات منتقاة واجتياحات محدودة واستخدام واسع للطيران، لا يعتبر وقفاً للحرب، بل يُعدّ تغيراً لشكل العدوان وحرب الإبادة، وهذا لن يدفع المقاومة للتوقيع على الصفقة، ولا حزب الله لوقف فعالياته الإسنادية، وبالتالي فإن الحزب سيعلن أن الحرب لم تتوقف ونحن لن نتوقف.


المقاومة أعلنت شروطها بوضوح وتتمسك بها منذ أشهر، فليس أقل منها بعد كل هذه التضحيات، وقف كامل وواضح لحرب الإبادة، لا وعود لا يمكن الوثوق بها، وانسحاب من كل القطاع، وبضمنه محورا نتساريم وفيلادلفيا، وعودة النازحين لأماكن سكناهم دون شروط، وبالتالي الشروع بإدخال كميات كبيرة من شاحنات الغذاء والوقود، وبعدها صفقة مشرّفة لتبادل الأسرى.


تلك شروط لن تحققها لا "المرحلة الثالثة"، ولا أيّ تغيرات في التكتيكات العسكرية لحرب الإبادة، وعليه فإن إعلان هذه المرحلة (كما تروج وسائل الإعلام)، لن يغري المقاومة بتوقيع صفقة تبادل كما يتوهمون.


والأهم أنّ إعلان هذه المرحلة لن يقنع حزب الله بوقف إسناده، فبدون موافقة المقاومة لن يوقف الحزب قتاله، وهو أعلن هذا مراراً، فموقف الحزب مرهون بموقف المقاومة، لا بأمنيات الجيش الذي يبحث عن سلم للنزول.


من الصحيح أن إعلان "المرحلة الثالثة" يجيء كنتاج لإخفاقات الجيش في رفح والشجاعية تحديداً، ومحاولة للهروب من مستنقع أغرقتهم المقاومة فيه، ولكن الأهم بتقديري أن الإعلان يأتي كـ"جزرة" يقدمها الإسرائيليون، ومعهم الأمريكيون لحزب الله، عله يوقف القتال في الشمال، فيُخرج دولة الإبادة من أزمة جيشها وإخفاقاته هناك، فورطة الجيش في الشمال تبدو، أصبحت العامل الرئيس في قرار الجيش بـ"المرحلة الثالثة"، وهذا ما ينبغي معالجته.


"المرحلة الثالثة" للقطاع لإنقاذ الجيش من هزائمه، ولكن عين الجيش على الخروج من أزمته في الشمال عبر هذه المرحلة، على الأقل يأمل ذلك.

إعلان "المرحلة الثالثة" يجيء كنتاج لإخفاقات الجيش في رفح والشجاعية تحديداً، ومحاولة للهروب من مستنقع أغرقتهم المقاومة فيه