اخلاقيات العرب والعقل الرعوي واثرها على العجز المتوارث في التكوين الانساني للمجتمعات العربية والدولة

حسن أبو العيله

سبتمبر 28, 2025 - 08:10
اخلاقيات العرب والعقل الرعوي واثرها على العجز المتوارث في التكوين الانساني للمجتمعات العربية والدولة

اخلاقيات العرب والعقل الرعوي واثرها على العجز المتوارث في التكوين الانساني للمجتمعات العربية والدولة.
حسن أبو العيله
26/9/2025.
رُب سائلٍ يسأل عن سر الحراك والتفاعل الشعبي في المجتمعات الغربيه وباقي شعوب الأرض في رفضها للابادة الجماعية والحرب الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، وكذلك عن مواقف قادتها المعبره عن الاحزاب الحاكمه في توجهاتها واحياناً قيادة مواقف للاعتراف بالدولة الفلسطينية .
اهي صحوة ضمير تجاه مأساة الفلسطينيين التي تسببوا بها ؟
ام هي تعبير حر لفكر حر يؤمن بالقيم الإنسانية ؟
وما سبب حالة العجز العربي والاسلامي امام ابادة شعب عربي مسلم يذبح ويجوع ويهجر امام ناظرهم ولا يحرك مشاعرهم وانسانيتهم وهم مولودون من رحم واحد ؟
من الجيد والمفيد قبل الدخول في التفصيل أن نقف على بعض المفاهيم المرتبطة بالموضوع ، وكذلك اراء العديد من المفكرين الذين ساهموا في صياغة عقد اجتماعي وسياسي وفكري في حقب مختلفه وكان لهم بصمة واضحه في مسار الحضارة الإنسانية ،  كابن خلدون و  عبدالله الغذامي و ومحمد عابد الجابري ، والكاتب عبد الرحمن الوابلي .
لذلك من المهم أن نميز ونعي الفرق الكبير بين منظومتين مهمتين في تطور الفكر الانساني والسلوك المرتبط بهما وهما  ، منظومة الاخلاق ومنظومة الاخلاقيات وبينهما فرق كبير ، فهما يشكلان مدخلاً مهماً للوقوف على العقلية العربية واسباب فشل منظومة الدوله .
فالأخلاق هي مجموعة القيم والمبادئ التي تحرك الشعوب مثل العدل والمساواة والحرية ، وتصبح مرجعية ثقافية لها وسنداً قانونياً تستقي منه الدوله أنظمتها وقوانينها. 
 اما الأخلاقيات فهي مجموعة القيم والآداب ، المتعارف عليها شفاهة أو كتابةً بين أصحاب مهنة معينة ، و يبنون عليها الأنظمة والشروط التي يعملون تحت ظلها ، كأخلاقيات مهنة ، وعادة ما تكون أخلاقيات مهنة ما متضاربة مع أخلاقيات مهنة أخرى ، في سبيل حماية المصلحة الخاصة والذود عنها ، أي إنه ليس بالضرورة ، أن تكون أخلاقيات مهنة متماهيه مع أخلاقيات مهنة أو مهن أخرى او مع الصالح العام ، فكل مهنة تتحيز لنفسها ولمصلحة العاملين بها و لا شك أن الكل يلمس ذلك في سلوك النقابات التي تمثل تلك المهن في حاضرنا المعاش .
أما الدين بشكل عام سند للأخلاق ، وفي كثير من أحكامه الفقهية ضابط إن لم يكن مضاداً للأخلاقيات ، وتظهر المشكلة بوضوح عندما يتم الخلط بين الأخلاق والأخلاقيات ، وهذا ما وقع فيه العرب قديماً وحديثاً ، حيث خلطوا الأخلاق بالأخلاقيات ، او دمجواهما ، وتعاملوا معهما من هذا المنظور المجحف بحق الأخلاق ، وأصبحوا يتمتعون بأخلاقيات لا بأخلاق ، ويعتبرونها الأخلاق ، لذلك فقدوا أي مرجعية أخلاقية تستند لها ثقافتهم الوجدانية الجمعية وتبنى عليها قوانينهم وأنظمتهم الحياتية الخاصة والعامة وتشكل لديهم منظومة أخلاقية معترف بها ومتعارف عليها. 
وأتى هذا الخلط الغريب والعجيب ، من التكوين البنيوي الاجتماعي والثقافي ثم السياسي التاريخي للعرب ، فقبل أن تتكون للعرب دولة ، كان غالبية العرب يعيشون في الصحراء ، ويمتهنون مهنة الرعي كمهنة رئيسية إن لم تكن الوحيدة ، التي يعتاشون منها ، وهذا يقودنا الى أن السمة الغالبة عليهم هي اخلاقيات مهنة الرعي ، حيث شكلت لديهم منظومة أخلاقيات تمثلت بثقافة القبيلة من عادات وتقاليد ، واخذت تحركهم وتحفظ مصالحهم ضد المهن الأخرى وأصحابها. من هنا فليس من المستغرب أن يستنكف العربي القبلي عن المهن الأخرى مثل الصناعة والزراعة ويحقرها ويحقر العاملين بها ، والتي كان من الممكن أن تُغري بعض الرعاة لترك مهنة الرعي والانتقال للعمل بها ، وقس على ذلك الاندماج مع الآخر وما شابه ذلك من عادات وتقاليد ، تمليها أخلاقيات مهنة الرعي والأخلاقيات تعتمد دوماً على مفهوم التميز الذاتي والإقصاء للآخر. 
وعاش العرب تحرك ثقافتهم ووجدانهم الجمعي أخلاقيات مهنة الرعي ، لأكثر من ألفي سنة قبل أن تتأسس لهم دولة. وعندما أتى الإسلام وتأسست الدولة العربية الإسلامية، كان من المفترض أن تتحرك أنظمتها وقوانينها على منظومة اخلاق ، ولكن عملية حرق المراحل التي أتت بعد مرحلة النبوة ، والتي قامت الدولة بفرض سيطرتها وهيمنتها سريعاً وبوقت قياسي ، على مناطق شاسعة وشعوب متباينة أفقدتها ميزة البناء والنضج التدريجي الحضاري التراكمي ، الذي كان من الممكن أن تتشكل من خلاله منظومة أخلاق متفق عليها من قبل جميع فئات شعوبها ، خاصة كونها تمتلك الأساس الديني الداعم لمنظومة أخلاق متحضرة ومتفق عليها ، ولم يحدث ذلك
ولضمان سيطرة النخبة العربية الحاكمة للدولة الجديدة ، المسنودة بعصبتها وعصبيتها القبلية ، على مكاسبها التي أخذت تدر عليها ثروات طائلة ميسرة وغير منقطعة ، حركت أخلاقياتها الرعوية لتتحكم بمقاليد سلطة دولتها الجديدة ، وتنعم بالغنيمة ، لوحدها دون غيرها من باقي فئات وشعوب الدولة ، ولتضفي الشرعية على تحكمها بمقاليد السلطة والغنيمة وتضمن عدم منازعة غيرها لها فيه  جللت أخلاقياتها الرعوية بالصبغة الدينية ، وأخذت تحكم من منطلق منطق الراعي بالرعية الحرفي لا الرمزي. 
ولذلك تحولت علاقة الأفراد بالدين إلى علاقة أفقية لا عامودية ، أي أصبح الدين ينظم ويشرعن علاقة الأنا بالسلطة وعليه الأنا بالآخر ، لا الأنا بالذات الإلهية ، خاصة في الأمور العقائدية والتعبدية الخاصة ، كما تم تهميش مقاصد الشريعة من حفظ الحقوق بالعدل ونفي الظلم (أخلاق) ، وتم التركيز على الحلال والحرام (أخلاقيات) وجعلها صلب الدين وركيزته ، و تم بالتدريج نظم منظومة أخلاقيات عربية مقدسة ، سعت لتطبيقها واحتكر تفسيرها النخب الحاكمة آنذاك ، واصبح من يتمسك بها يضمن نعيم الدنيا ونعيم الآخرة ، بجانبهم وحدهم دون غيرهم ، من المعارضين والمزاحمين لهم ، واصبح التمسك بأخلاقيات النخبة الرعوية المقدسة شرطاً للنجاة بالدنيا والآخرة ، ورفعت المعارضة السياسية للنخب الحاكمة نفس الشعار وهو دحض الحجة الدينية بالحجة الدينية المقابلة لها وساد خطاب الإقصاء الديني والإقصاء الديني المضاد. 
ولذلك ليس بالمستغرب أن يلاحظ المؤرخ العربي ابن خلدون ، أنه لا يمكن توحيد العرب سياسياً إلا من خلال الدين. كما أنه لاحظ كذلك أن العرب ، لم يبرزوا بمجال الفكر والفلسفة وعلوم دين ومنطق ، والذين برزوا بها هم المسلمون من غير العرب ، اما العرب فبرزوا بالشعر فقط ، فالشعر هو الفن الوحيد الذي يتقنه ويطرب له الرعاة.  المفكر عبدالله الغذامي رأى أنه  حتى الشعر العربي ، ينضح بتفخيم الأنا وتمجيد الفحولة ، وعده سياقاً موازياً وداعماً لسياق الخطاب العربي السياسي التسلطي أكثر منه للأدب الإنساني. 
كما أن المفكر محمد عابد الجابري ، في مشروعه نقد العقل العربي ، نقد في جزئيه العقل المعرفي والعقل السياسي نقداً وافياً ، حيث وجد مادة غنية لنقدها في هذين الجزئين ، ولما شرع في جزئه الثالث نقد العقل الاخلاقي ، لم يجد مادة أخلاقية كافية يستطيع نقدها ، حيث لم يجد منظومة أخلاق عند العرب.
ولم يجد لديهم سوى أخلاقيات ، مثل الرجولة والشهامة والشجاعة والكرم ، وهي شروط تشترطها مهنة الرعي على العاملين بها ، أي أخلاقيات مهنة الرعي ، ووجد أن أدبيات الأخلاق المتداولة وغير الفاعلة لديهم ، ما هي إلا أدبيات ترجمت من الحضارات الفارسية واليونانية والهندية. 
ولذلك فليس بالمستغرب أن لا تهز قضية أي مجزرة تحدث في بلد عربي يروح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والرجال العزل ، كما هي حرب الابادة والتجويع والتهجير التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، لا الرأي ولا الضمير العربي ، وتعصف في وجدانهم قضية فتاة ، تسكن منعمة بدولة غربية ، يطلب منها ، لدواع أمنية أو تنظيمية أن تخلع نقابها أو حجابها ، وتصبح القضية الشاغلة لهم دون غيرها من قضاياهم المصيرية.
فالأولى تنتمي لمنظومة الأخلاق حفظ الحياة والحق في العيش الإنساني الكريم ، حيث لا وجود لها في ضميرهم الجمعي ، والثانية تنتمي لمنظومة أخلاقيات الرعاة ، وهي الخروج على أعراف وتقاليد وشروط القبيلة ، الحاضنة والمستأمنة على مراعاة وحفظ أخلاقيات الرعي . 
ولا زال العقل العربي محاصراً و محكوماً بمجموعة من المعيقات التي تحد من الفكر الحر المنتج للابداع والتميز ولعل من ابرز تلك المعيقات البيئة والعادات والتقاليد .
وازماتنا المتلاحقه التي تتعمق بشكل اكبر يومياً لها جذور ضاربه في هذا  التاريخ ، فالشعوب العربية لا زالت تصارع المشروع الصهيوني في بلادنا منذ اكثر من مئة عام ولم تستطع أن نقلب معادلة الصراع لصالحنا حتى الان ولا زالت تلقي احياناً كثيره فشلها على سبب خارجي فالمؤامرات الكونية عليها تحد من تطورها لتاخذ دورها بين الامم وتتغافل بقصد أو بغير قصد عن المسؤولية الذاتيه تجاه انفسنا ومجتمعاتنا .
إن العقل الوظيفي في القيادات السياسية و المجتمعية ساد على العقل الحر المبدع ونمط التفكير الحر القادر على احداث التغيير والتجديد والابداع .
اروبا وعديد الشعوب اخذت عن ابن رشد ،  فللافكار اجنحة تطير إلى من يؤمن بها في فكر حر وعقل حر متحرر من قيود سلطة الجماعه والقبيلة والعشيرة والدين والعادات والتقاليد والقدر ، فمن غير المنطق أن يخلقنا الله احراراً وينزل علينا تشريعات تتعارض مع العقل و الفكر الحر المبدع هكذا نفهم الحياة فالله خلقنا احراراً وطلب منا أن نجتهد ونجدد  في كل شيء وأن لا ننغلق في افكار تقيد شريعته فمن  فكر ابن رشد هذا نهضت اروبا ، اما المشعوذين الذين قتلوه وحرقوا كتبه جعلوا منا امة في ذيل الأمم.
 فمن لا يُعْلي شأن العقل والفكر  الحر و الفلسفة والمفكرين والمنظرين والفلاسفه القادرين على احداث التجديد والتغيير على قاعدة المواطنه ويقصيهم ويخونهم ويكفرهم فهو جاهل ويدفع المجتمع نحو الجهالة والتخلف.
بكل اسف إن جميع التكوينات السياسية والاجتماعية العربية تفتقر لمنظومة اخلاق في ظل غياب قادة الفكر الحر القادر على التجديد والابداع وسنبقى نصارع مصيرنا ونستنسخ تجاربنا الفاشلة باشكال مختلفه ومتعددة . ، ما لم نتخلى عن العقل الرعوي ونرفع من شأن منظومة الأخلاق ، وننطلق نحو التجديد والابداع بفكر حر ، وهذا ما يجيب عن تميز شعوب اروبا علينا في انسانيتهم وتعاطيهم وتفاعلهم مع المحرقة التي يتعرض لها شعبنا وفرض على قياداتهم الترجل من كرسي الصهيونية العالمية وفكرها العنصري نحو انسانية شعوبهم ونصرة شعب يتعرض للظلم منذ ما يزيد عن قرن من الزمان .
استدراكات .....
الاثنيات البشريه الغربيه والفكر الغربي الأكثر دموية عبر العصور ، وغير انساني فهو فكر التفوق والاباده الجماعية ،
وبالمقابل الفكر العربي الاسلامي فكر إنساني قائم على التعايش مع الاخر.
يجب أن لا نستهين باثر الاستعمار على تشكيل الواقع الحالي للأمة العربية والإسلامية .

نحن الأمة العربية والإسلامية سعداء بهذا التحول الانساني في الانسان الغربي. ونأمل أن يستمر ليطال الفكر والسياسة والأخلاق في منظومة الحكم.
ونحن نناضل ونأمل أن تتاثر الطبقة الحاكمة والمثقفة العربية والإسلامية بانسانية الانسان الغربي؛ وتستعيد أمجاد وعدل عمر ابن الخطاب وصلاح الدين وياسر عرفات