من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
إن الإعلام الحر والشريف هو السلطة الرابعة، وصوت من لا صوت له، ومرآة الوطن والمواطن وهو مكون أساسي من السياسة والفكر والثقافة في المجتمع، وهو أحد عوامل النصر أو الهزيمة والبناء والهدم والتقدم والـتأخر. فالإعلام هو عنصر فاعل ومكون من مكونات الوعي والرأي والفهم وهو أداة ردع ضد الطغاة تمنعهم من التمادي في ارتكاب الجرائم، لكن إذا أصبح الإعلام مجرد ناقل للصورة فقط دون تأثير إيجابي في الواقع، فمعنى هذا أنه لا يقوم بدوره في الارتقاء بالوعي والتأثير الحقيقي على الأرض. ولو أردنا مقارنة إعلامنا وأنشطتنا الثقافية مع ما يقوم به الاحتلال الصهيوني فإننا نلاحظ أن الاحتلال الصهيوني يحارب شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية كلها بكل الوسائل المتاحة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويسخر كافة قدراته الإعلامية التي يعتمد فيها على فصاحة اللغة، والبحث في ثقافات الشعوب ليسهل عليه مخاطبتهم، وبالتالي القدرة في التأثير وإقناع الرأي العام العالمي، ليحارب الرواية الفلسطينية ومن يدعمها في الإعلام العربي بالاعتماد على وسيلة الخداع والمبادرة الأولى في سرد الرواية الإعلامية، منكراً سرد الحقائق التاريخية للقضية الفلسطينية لكسب التعاطف الدولي. ومن المؤسف تساوق الكثير من المنابر الإعلامية مع الاحتلال لأننا نعلم أن الماسونية العالمية تتحكم في الإعلام كإحدى أدواتها وهي الداعم الأساسي للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وبالمقابل فإننا نلاحظ أن الإعلام الفلسطيني والعربي يقف دائماً في دائرة رد الفعل فقط، وهذا أسلوب بدائي غير مؤثر في مواجهة الإعلام الصهيوني وغير مقنع للرأي العام العالمي، والمطلوب من الإعلام العربي والفلسطيني القيام بمبادرات إعلامية وقيادة زمام المبادرات الإعلامية محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، وهذا ما تفعله الجزائر الدولة العربية الرائدة في مجال دعم القضية الفلسطينية بكافة عناوينها، خاصة قضية المعتقلين الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، حيث يتوحد الإعلام الجزائري بكافة ألوانه وإشكاله وتوجهاته في دعم قضية المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ونشر الفظائع والفضائح والمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني ويقدم الإعلام الجزائري ملاحق يومية وأسبوعية وشهرية، ويفرد صفحات كاملة لنشر قضية القدس، وما يحدث فيها وحولها، وكذلك قضية المعتقلين الفلسطينيين أمام العالم حيث يسلط الضوء على معاناتهم ومأساتهم الإنسانية ودعم نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني.
لقد حمل الإعلام الجزائري وبكل أمانة الرسالة الإنسانية وحمل الهم الفلسطيني منذ عام النكبة 1948 وصولاً لحرب الإبادة وإلى اليوم، وسعى إلى تدويل قضية فلسطين ونصرتها ودعمها ومساندتها سياسياً وإعلامياً، في كل الصحف الجزائرية، وكل الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية وكان لمواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر دور بارز في طرح القضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على حجم الجرائم والإبادة اليومية التى يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث تحولت الدردشات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي المتولدة من مشاركة الصور ومقاطع الفيديو...، إلى مشاركات فعلية على أرض الواقع. ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي الجزائري في تنشيط الشباب الجزائري والعربي والفلسطيني لشرح قضية فلسطين وقضية المعتقلين وتطلعهم للحرية بالصورة والكلمة ومقاطع الفيديو، وكذلك في تنظيم الحملات المناصرة للقضية الفلسطينية، انطلاقا من الجزائر وصولاً إلى فرنسا والعالم كله من خلال الجاليات الجزائرية والفلسطينية والعربية في العالم، وهكذا شكل الإعلام الجديد وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، ومواقع الصحف الجزائرية وكل وسائل الإعلام الجزائري، شكلوا إضافة نوعية لوسائل الإعلام التقليدية، لأنها أكثر سرعة وانتشاراً للترويج للقضايا الوطنية الفلسطينية وتبادل الآراء، وتعبئة الرأي العام العربي والدولي، استناداً إلى ما تنشره الصحف وما تقوم به السفارة الفلسطينية في الجزائر، خاصة الأخ المناضل المعتقل المحرر خالد صالح (عز الدين) المشرف عن هذا الملف والذي يحمل أمانته بكل إخلاص ويشاركه في حمل هذه الأمانة إخواننا الإعلاميون المناضلون في الجزائر التي هي قدوة الأحرار في هذا الزمان. وليست صدفة أن تتزامن سنوياً ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954، وذكرى إعلان استقلال وقيام دولة فلسطين من أرض الجزائر في الـ 15 من نفس الشهر سنة 1988، وبهذه المناسبة ينحني المعتقلون الفلسطينيون والشعب الفلسطيني احتراماً وإجلالا وإكباراً وتقديراً للجزائر حكومة وشعباً ولكل وسائل الإعلام الجزائرية لدعمهم المتواصل للثورة الفلسطينية، ونضالات المعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية عبر الملاحق اليومية والأسبوعية في الصحف والجرائد الجزائرية، ومواقع الإعلام العامة، وهي تجربة نضالية وإعلامية ودبلوماسية ناجحة جدا لوزارة الخارجية الفلسطينية، وللسفارة الفلسطينية في الجزائر، وللإعلاميين الجزائريين والمثقفين والصحفيين الأحرار، وليس غريبة ولا جديدة علينا مواقف الجزائر التاريخية، ونستذكر دوماً المقولة التاريخية للقائد الراحل هواري بومدين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، ومقولته "استقلال الجزائر لا زال منقوصاً ما دام لم يكتمل باستقلال فلسطين"، ونستذكر كلمة الشهيد ياسر عرفات "الجزائر لا تحتاج لكتابة التاريخ، فالتاريخ هو الذي كتبها من أحرف من ذهب نقشت في جميع الشعوب المحتلة". إن الإعلام الجزائري هو الإعلام العربي الوحيد الذي تناول قضية المعتقلين الفلسطينيين ببالغ الاهتمام حيث كان ولا زال التنسيق والتعاون مع كافة مؤسسات الأسرى المعنية بالملف فى الضفة وغزة، ومع الشبكة العربية لكتاب الرأي والإعلام ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، ودائرة الإعلام في منظمة التحير الفلسطينية، وكل فصائل العمل الوطني، وتم إصدار ملاحق صحفية ورقية كثيرة وزعت منها ملايين النسخ في دول كثيرة، ساهم فيها عدد كبير من الكتاب الفلسطينيين بمقالاتهم عن المعتقلين ومعاناتهم باعتبارها قضية قومية عربية، بينما كان كثير من الإعلام العربي يتناول قضيتنا الفلسطينية كجزئيات ويختزلها وفق مفهوم نزاع فلسطيني صهيوني فقط، وليس عربي صهيوني أو إسلامي صهيوني وليس صراع على حقوق وثوابت. فهل سنرى تغييراً في الخطاب الإعلامي العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ هل سيقتدي العالم العربي بالتجربة الجزائرية في دعم ونصرة قضايا فلسطين خاصة المعتقلين؟ إن من المهم تعميم تجربة السفارة الفلسطينية في الجزائر على باقي السفارات والممثليات الفلسطينية المنتشرة عبر العالم، كي تبدأ بعقد اتفاقات، وتأمين صيغ تعاون مع وسائل الإعلام في الدول المختلفة، كي يأخذ الخبر الفلسطيني وقضية المعتقلين الفلسطينيين زخمهما المطلوب، وحتى ينتج فعلاً شعبياً ورسمياً داعماً لفلسطين في كافة المجالات، الأمر الذي لا يتطلب سوى تواصل وخطط عمل لاستثمار التعاطف الدولي وصولاً إلى مخرجات إعلامية تعزز الحضور الفلسطيني في الضمير العالمي، وهذا ما حدث في الجزائر وما يمكن أن يبنى عليه في مناطق أخرى، لذلك مطلوب منا اليوم تكثيف النشاط الإعلامي لسفاراتنا في الخارج في كل دول العالم، وليس في الجزائر فقط من خلال إصدار المجلات والصحف، وترجمة الكتب التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، وتزويد مكتبات الجامعات في مختلف العواصم الدولية بهذه الإصدارات، ويمكن ترجمة كل ما يصدر عن دائرة شؤون الأسرى في السفارة الفلسطينية وتوزيعه عبر سفارات فلسطين في العالم كله، إذا لم يكن بالإمكان القيام بما تقوم به الجزائر من جهود عظيمة. وهكذا تظل الجزائر هي منبر الأحرار ومصدر الثورة ومصر الفعل الوطني التحرري في هذا العالم. كما يتوجب على المؤسسات والأكاديميات الإعلامية العربية مساندة المؤسسات والكوادر الإعلامية الفلسطينية في تطوير قدراتها وتنمية مهاراتها لتعزيز دورها وإعانتها على القيام بمسؤولياتها في مواجهة الدعاية الإعلامية للاحتلال الصهيوني في العالم كله، لأن الحملات الصهيونية لا تستهدف الفلسطينيين فقط وانما تستهدف كل ما هو عربي فالأطماع الصهيونية أكبر من حدود فلسطين التاريخية، وكلنا نعلم ذلك لكن للأسف البعض يتجاهل ذلك، ويحاول التطبيع مع العدو الصهيوني الذي لا يفكر إلا في مصلحته عن طريق إفساد وتجهيل وتضليل الشعوب العربية والعالم، وصولاً إلى تحقيق أطماعه التوسعية، وإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وهدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وإنشاء الهيكل المزعوم، وهذا ما لا يمكن أن يتم طالما هناك إعلام عربي يملك ضميراً حراً، ممثلا في الإعلام الجزائري الشريف.
تحياتي واحترامي للجزائر وإعلامها الذي كان لي الشرف في نشر مقالاتي عن المعتقلين وقضية فلسطين في كل منابر الجزائر الإعلامية، وسنبقى أخوة وشركاء للأبد، لأن أصولنا التاريخية واحدة، كما قال أحد علماء الأنثروبولوجيا حيث أن عدداً كبيراً من الشعب الجزائري من أصول كنعانية عربية مثل أصول الشعب الفلسطيني، وقال بذلك أيضاً ابن خلدون. وهذا سر المحبة الغريبة بين الشعبين الفلسطيني والجزائري. لقد ارتبط الجزائريون بفلسطين ارتباطًا روحيًا عميقًا، باعتبار فلسطين أرضاً مقدسة، ومباركة، ولهذا فإن الجزائريين لا يميزون بين مدينة القدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة، ودرجوا على اعتبار أن من حج، ولم يُصل بالمسجد الأقصى، فإن حجه ناقص، وأنه لم يتمم مناسك الحج، وفي هذا اعتبر إمام الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس أن رحاب القدس الشريف مثل مكة والمدينة، وأن الدفاع عنها فرض عين على كل مسلم. ولقد كان للجزائريين نصيب كبير في الدفاع عن بيت المقدس، منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث كان الجزائريون يقاتلون في جيش نور الدين زنكي، في حروبهم مع الصليبيين لتحرير بيت المقدس، ولعل أشهرهم: عبد العزيز بن شداد بن تميم بن المعز بن باديس أحد القادة العسكريين للسلطان صلاح الدين الأيوبي الذي كان له شهرة واسعة في محاربة الصليبيين، وهو من العائلة الباديسية التي أنجبت أيضًا إمام النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس. ولقد وقف الشعب الجزائري وقفة رجال تاريخية واضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ سنة 1931، فقد اتصل (أحد ابرز قادة الحركة الوطنية الجزائرية) المجاهد مصالي الحاج بقادة العمل الفلسطيني، حيث التقى مع الشيخ أمين الحسيني، مفتي فلسطين، وأحمد حلمي باشا، رئيس حكومة فلسطين، وأكد لهما دعم الجزائريين لفلسطين ضد الاحتلال البريطاني والصهاينة بكل الطرق حتى تحرير الأرض الإسلامية العربية الفلسطينية، وفعلاً أدى الفدائيون الجزائريون دورًا بارزًا في ثورة 1936، وشاركوا بثلاثة فصائل عسكرية، وقد اختص كل فصيل بمهمة عسكرية، فصيل "صفد" اختص بالهجوم المباغت، وفصيل "حيفا" اهتم بنقل السلاح، وفصيل "طبريا" اختص بنسف أنابيب البترول، فضلاً عن علاج المصابين وإطعام المجاهدين وتزويد الثوار بالمعلومات. إن مئات الجزائريين عاشوا في فلسطين فراراً من بطش الاحتلال الفرنسي وكان لهم دور في المقاومة، وكثير من العائلات الفلسطينية الموجودة اليوم لها أصول جزائرية عريقة وهم أحفاد المقاتلين الجزائريين الشرفاء.
ختاماً، أؤكد على أن هذا العشق المتبادل والمتلازم في وجدان الإنسان الجزائري والإنسان الفلسطيني له سر إلهي لا يمكن أن يعرفه إلا من يشعر به، ولا يمكننا اختزال تلك المشاعر الراقية في بضع سطور أو كلمات أو حروف، وشكراً للجزائر.