شكوك حول نوايا وجدوى خطة المساعدات الأمريكية لغزة !

نبهان خريشة
في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لشن عملية "عربات جدعون" العسكرية البرية في قطاع غزة، لاحتلاله كاملاً و"تطهيره" من المقاتلين الفلسطينيين بعد نقل سكانه في الشمال والوسط إلى منطقة رفح في الجنوب، أعلنت الولايات المتحدة عن خطة لإنشاء صندوق للمساعدات الإنسانية لغزة، إذ عرض المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف هذه المبادرة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أنه تعرض خلال مناقشتها لانتقادات حادة من قبل بعض أعضاء المجلس، على خلفية تجويع إسرائيل لسكان غزة، كما قوبلت الخطة برفض منظمات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثة إنسانية، لأنها تخضع لمقاييس وآليات إسرائيلية.
ويرتكز صندوق المساعدات لغزة، وفقاً للخطة الأمريكية، على نموذج تشغيل مبتكر يشمل إنشاء أربعة مراكز توزيع آمنة في أنحاء قطاع غزة، بحيث يخدم كل مركز ما يصل إلى 300,000 شخص، أي أن الصندوق سيغطي في مرحلته الأولى احتياجات نحو 1.2 مليون شخص، مع إمكانية التوسّع لاحقاً ليصل إلى مليوني شخص. وبحسب الخطة، سيتم توزيع المساعدات عبر قنوات نقل آمنة، دون أي تواجد عسكري، وتحت إشراف مباشر من فرق أمن وسلامة "مستقلة" لم تُحدّد هويتها. كما سيتم توزيع طرود الطعام، ومستلزمات النظافة، والأدوية، والمياه، بناءً على الحاجة فقط، ودون تمييز. وتشير الخطة إلى أن كل وجبة غذائية ستوفّر 1,750 سعرة حرارية، وبسعر يصل إلى 1.31 دولار فقط، كما سيتم توفير رزمة غذائية تحتوي على 50 وجبة عائلية بسعر 65 دولاراً، تُسلّم مباشرةً للعائلات الفلسطينية "المعرضة للخطر".. كما تنص الخطة أيضا على أن صندوق المساعدات الإنسانية سيكون مستقلاً عن أي جهة سياسية أو عسكرية، وعلى عدم تواجد جيش الاحتلال في مراكز التوزيع، مع وجود تنسيق معه لضمان ممرات إنسانية آمنة.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن الخطة الأمريكية، رغم أهميتها في تلبية بعض الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزة، فإنها لا تلبي المعايير الصحية والتغذوية المطلوبة، لعدم شمولها جميع الجوانب الصحية الضرورية، خاصة في ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة، حيث تشير التقارير إلى أن الوضع الغذائي والمائي والصحي في قطاع غزة قد بلغ حداً مأساوياً، إذ نفد 95% من احتياطيات الدقيق، وتعتمد العديد من العائلات على وجبة واحدة يوميًا، وتم تسجيل أكثر من 10,000 حالة سوء تغذية بين الأطفال، منها 1,600 حالة حادة.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في ورقة إحاطة، إن المدنيين الأكثر هشاشة قد يُضطرون للسير لمسافات طويلة للوصول إلى مراكز التوزيع، ما يصعّب وصول الغذاء إلى من هم بأمسّ الحاجة إليه. كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن النظام الذي كان معمولًا به قبل استئناف إسرائيل هجماتها بعد انتهاء الهدنة الأولى في مارس/آذار 2025 تضمن 400 نقطة توزيع، بينما تقلّص الخطة الأمريكية هذا العدد بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى حرمان شرائح واسعة من السكان من الغذاء والمواد الأساسية الأخرى. وأعربت المنظمة الدولية عن خشيتها من أن تكون الخطة وسيلة غير مباشرة لتهجير المدنيين من شمال غزة، إذ يُرجح إقامة مراكز المساعدات في الجنوب، مما سيجبر السكان على مغادرة الشمال للحصول على الغذاء. وترى تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة "غيشا Gisha" الإسرائيلية المعنية بحقوق الفلسطينيين، أن الخطة "لا تبدو كخطة لتوزيع المساعدات، بقدر ما هي أداة لمزيد من الضغط، بهدف جعل الحياة في غزة غير قابلة للعيش".
وقد رافق الإعلان الأمريكي عن خطة المساعدات الإنسانية صمت مطبق بشأن موقف الإدارة الأمريكية من الخطة العسكرية الإسرائيلية "عربات جدعون"، التي أعلنت إسرائيل نيتها شنّها لاحتلال القطاع بشكل دائم ودفع الفلسطينيين للهجرة قسرًا من شمال ووسط القطاع إلى جنوبه.
ولم يتضح من الخطة الأمريكية أين سيتم توزيع المساعدات: هل سيتم توزيعها للمدنيين في أماكن تواجدهم الحالية؟ أم سيتم تجميعهم في منطقة جغرافية محددة (رفح مثلًا) وتوزيعها هناك؟ وتعزز هذه الشكوك تصريحات نتنياهو التي أعلن فيها عن توسيع الهجمات على غزة، مع نقل مزيد من السكان "حفاظًا على سلامتهم! "، وهو ما يتماشى مع دعوات بعض أعضاء ائتلافه اليميني إلى تهجير سكان غزة "طوعاً" وإعادة بناء مستوطنات يهودية في القطاع.
ولم تقتصر المسألة على خطة المساعدات الأمريكية، بل تزامنت مع تقرير لوكالة "رويترز"، استناداً إلى خمسة مصادر، يفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل أجريتا مشاورات حول إمكانية تولي واشنطن إدارة مؤقتة لقطاع غزة بعد الحرب. وتقترح المشاورات تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مسؤول أميركي تشرف على القطاع إلى حين نزع سلاحه واستقراره، وظهور إدارة فلسطينية قادرة على الحكم. وقالت مصادر "رويترز" إن هذه المشاورات لا تزال أولية، وشبّهتها بسلطة التحالف المؤقتة في العراق عام 2003 بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.
وأضافت أن الإدارة المقترحة ستستعين بتكنوقراط فلسطينيين، مع استبعاد كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية، بينما طالبت إسرائيل بحصر إعادة الإعمار في مناطق أمنية محددة، وتقسيم القطاع، وإقامة قواعد عسكرية دائمة لها.
ويتزامن الإعلان عن خطة المساعدات الأمريكية مع زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات، في إطار سعيه لتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع هذه الدول، ومحاولته توسيع اتفاقيات "أبراهام" لتشمل السعودية. لكن هذا التوسّع مرهون بتحقيق تقدم في حل النزاع في غزة، الذي قد تكون خطة المساعدات مرتبطة به. الا أن دولة الإمارات أعربت عن رفضها المشاركة في الآلية الحالية للمساعدات، معتبرة إياها أداة للسيطرة العسكرية، فيما عقدت السعودية اجتماعًا غير رسمي مع قادة عرب لمناقشة بدائل لخطة ترامب بشأن غزة، وأكدوا على ضرورة إعادة الإعمار وربطه بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ورفض أي مخططات لترحيل سكان القطاع. كما أعلنت حركة حماس رفضها للخطة الأمريكية، معتبرة إياها محاولة لتجاوزها وتهميش دورها في القطاع، واتهمت الولايات المتحدة وإسرائيل بالسعي لفرض واقع جديد على الأرض