خنق اقتصادي

بهاء رحال
يعاني الناس في محافظات الضفة الفلسطينية من ظروف اقتصادية مستحيلة، في ظل استمرار العدوان المباشر، والحصار المشدد، وتدهور الإنتاج، وزيادة عدد العاطلين عن العمل، والإغلاقات، والتخريب المتعمد لكل أشكال الحياة، وتدمير البنية الاقتصادية، واعتداءات المستوطنين والبوابات الحديدية والحواجز التي تضاعفت، وفق خطة ممنهجة تتبعها حكومة الاحتلال التي تواصل حرب الإبادة في غزة، قتلًا وحصارًا وتجويعًا، وقد حاول المواطن الصمود في وجه هذه الظروف الصعبة، وبذل ما استطاع من جهد، وتحدى ظروفًا قاهرة وأخرى مستحيلة، إلا أن الأشهر الطويلة التي مضت أنهكت كاهله، حتى وصل إلى حدٍّ لم يعد قادراً معه على الصبر أكثر، في ظل سياسة احتلال واضحة، هدفها خنق وانهيار الاقتصاد الفلسطيني وإفقار المواطن، لتصبح الحياة مجرد عبث، وتضيق الآمال أكثر، ويصل به الحال إلى اليأس.
بالأمس، استمعتُ إلى آراء الناس الذين اجتمعوا في الغرفة التجارية بطولكرم، وقد دعوا إلى إضراب تجاري احتجاجًا على الوضع الذي وصل إلى الحضيض. وكانت شكواهم محقة، فهي صرخة من قاع الواقع الصعب الذي وصل إليه الحال، ودعوة لضرورة إيجاد الحلول قبل السقوط في الهاوية. كان صوت التجار يخرج من قهر، وشكواهم محقة، فقد ضاقت حلقات العيش، واستُنفدت كل مقومات الصبر، ويبدو أن مفتاح الفرج ضائع.
شكوى الناس من عدم تحمّل المسؤولين لمسؤولياتهم محقّة، وقد قلنا سابقاً إن المطلوب من المسؤول هو إيجاد وخلق الحلول، لا أن يخرج للناس ليشكو سوء الحال؛ واصفًا المشكلات كما لو أنه بعيد عن المنصب، فالناس هم أصحاب الشكوى، والمسؤول هو من تقع على عاتقه مهمة ابتكار الحلول، وإلا ما الفائدة من وجوده على رأس وزارة أو هيئة لا تقدم الحلول، ولا تبتكر الوسائل التي تنقذ الناس، وتنقذ حياتهم ومصالحهم التجارية، من وحل الفقر الذي أوصل البعض إلى العدم.
صحيح أن الاحتلال يتعمد ذلك، بل يخطط إلى ما هو أبعد وأخطر، عبر سياسة ممنهجة وضعها سموتيرتش وصادقت عليها حكومة نتنياهو منذ سنوات، خاصة في موضوع المقاصة التي يقوم الاحتلال بسرقتها عدًا ونقدًا، وقد بلغت ما بلغت من أرقام مهولة عقدَّت الظرف المالي للسلطة، وجعلتها بهذا العجز الذي أضعفها وأوصلها إلى هذا النحو الذي باتت عليه، تقترض تارة من البنوك المحلية لتسد جزءاً من الالتزامات، وتنتظر عون الاتحاد الأوروبي، وتوافق على اشتراطات هنا، وشروط هناك، بينما أوقفت أمريكا دعمها منذ سنوات، ولم يفعل العرب شبكة الأمان التي تحدثوا عنها في عدد من القمم العربية السابقة.
شكوى التجار والناس في طولكرم هي كحال باقي محافظات الوطن، فليس الوضع أفضل في بيت لحم، أو جنين، أو نابلس، أو الخليل، ولو نظرنا مثلًا لواقع السياحة وأصحاب المرافق السياحية في بيت لحم لوجدتهم بذات الشكوى، حيث هذا القطاع المتضرر منذ وباء كوفيد19 وحتى اليوم، فقد بات يحتضر في ظل استمرار التوقف التام للسياح والحجيج، وتعطل الوفود السياحية، فكل المنشآت السياحية مطفأة، يعوي فيها الفراغ، والأيدي العاملة متعطلة عن العمل.
خنق اقتصادي سببه الاحتلال يواجه منذ سنوات بصبر فلسطيني عظيم، وصوت انفجر بالصراخ يقول: آن لهذا الحال أن يتغير، وأن يتحمل كل مسؤول مسؤولياته، تجاه الناس وقوت يومهم وأمنهم وأمانهم.