الرد الموجع بعد اتضاح حقيقة مسرحية التفاوض

أغسطس 28, 2024 - 09:41
الرد الموجع بعد اتضاح حقيقة مسرحية التفاوض

وسام رفيدي

حتى لحظة كتابة هذه المقالة يوم 25 آب/أغسطس، وبانتظار خطاب السيد نصر الله، واضح أن قرار الرد الموجع والقاسي، قد باشر به حزب الله. أخذت كل جولات التفاوض المدى الذي يؤهل للخلوص من قبل المحور لنتيجة واحدة: إنها مسرحية لأهداف أمريكية وصهيونية. لم يعد خافياً أن نتنياهو، ومعه الإدارة الأمريكية، معنيون بمواصلة المجزرة، إلا إذا فرضوا الاستسلام على المقاومة، وفق صفقة يفصلّونها على مقاس مطلبهم/ أمنيتهم هذه، وهذا يقيناً لن يحصل، فالاستسلام ليس خياراً، كما لم يكن يوماً في تاريخ حركات التحرر الوطني. وعليه لم تعد الحوارات سوى غطاءٍ للمجازر والإبادة، لذلك فعلت حماس خيراً إذ لم ترسل وفدها للتفاوض في القاهرة والدوحة قبل الجولة الأخيرة.

ت هو تركيزها من قبل كل الفرقاء المفاوضين والوسطاء على قضية واحدة فقط هي محور فيلادلفيا، بحيث تمت إشاعة وهم، ساهمت به الفضائيات على اختلافها، بأن حل موضوع فيلادلفيا يعني التوقيع، علماً أن التواجد في محور نيتساريم لم يحسم تفاوضياً بعد حسب مطلب المقاومة، ولا أرقام الأسرى الذين سيحررون، ولا الجهة التي يتوجهون لها ولا فئاتهم ولا أحكامهم، حسب معايير المقاومة، كما لم تحسم بعد العودة من الجنوب للشمال دون قيود يسعى لها نتنياهو.

وعليه، بافتراض حل موضوع فيلادلفيا بطريقة تضمن الانسحاب الكامل منه، فهذا لن يعني التوقيع، بسبب بقاء القضايا الأخرى دون الاتفاق عليها، والمقاومة تجدد يومياً شروطها للتوقيع: انسحاب كامل، وقف نهائي للعدوان، عودة نازحي الشمال دون قيود، صفقة مشرفة للتبادل، وإدخال الشاحنات دون سقوف عددية، والإعمار ورفع الحصار. لذلك، ووفق هذا المنظور، ووفق ما تجري عليه المفاوضات، أصبح واضحاً لمحور المقاومة، وخاصة في فلسطين ولبنان، أن لا اتفاق مشرفاً للمقاومة، فردت حماس بعدم إرسال وفدها للتفاوض، ورد حزب الله بما وعد؛ رداً موجعاً وقاسياً. كان من الواضح أن الاستمرار في التفاوض، ودون الرد، لا يحقق للمحور هدفه باستعادة معادلة الردع، ومعاقبة دولة الإبادة، وصولاً لفرض شروط المقاومة في أي اتفاق مقبل.

كان المحور قد أرجا الرد رهاناً على اتفاق مشرف ينهي العدوان، بديلاً لرد موجع وقاسٍ، وهو رهان وجد تفهماً من المقاومة وحاضنتها، فاتفاق ينهي العدوان والإبادة ووفق شروط المقاومة، أفضل من رد إيراني ولبناني، مهما كان موجعاً وقاسياً، تتطلع إليه الانفعالات والرغبات.

صحيح أن محور المقاومة بأطرافه الخمسة لم يحدد موعداً للرد على جرائم المحتل بالاغتيال لهنية وشكر وقصف الحديدة وبغداد قبل أكثر 3 أسابيع، وبالتالي يصعب تبني مقولة (تأخر الرد) طالما لم يحدد موعد له أصلاً، وتلك المقولة انتشرت، إما من قبل أصحاب النزعة الطائفية، أو من قبل المعادين للمقاومة أصلاً، أو من قبل المنحازين للمقاومة، ولكن المنفعلين رغبة بالرد، ولكن كان من الصحيح أيضاً، بل ومن حق الفلسطيني خاصة، والعربي والمسلم عامة، والمنحاز للمقاومة وخياراتها وتكتيكاتها ومحورها، أن يتطلع لرد، خاصة مع اتضاح أن مسار التنفاوض وفق التكتيك الأمريكي/ الإسرائيلي بالتجزيء والمماطلة والتسويف وإضافة الشروط كل مرة، لن يؤدي لاتفاق لوقف العدوان.

كتب أحد الأصدقاء على موقعه على الفيس، وهو من المنحازين للمقاومة، أن على (الحلفاء تعجيل دائرة الرد)، ارتباطاً بإصرار نتنياهو، ومن خلفه الإمبريالية، على عدم السماح بتحقيق انتصار بالنقاط، سيكون توقيع اتفاق وفق شروط المقاومة، أحد أهم هذه النقاط. لن يختلف اثنان، لا في فلسطين ولا في مجتمع المستوطنين، ولا في العالم، أن فرض الانسحاب الكامل، ووقف حرب الإبادة وتحرير الأسرى الفلسطينيين، ورفع الحصار سيكون بمثابة هزيمة جدية للمشروع الصهيوني، خاصة أنه نتاج معركة طويلة ومريرة، بلغت شهرها الحادي عشر حتى اللحظة، بين جيش صُنّف أنه الجيش 18 في العالم، والرابع من حيث التقنية، وبين تشكيلات غوارية فدائية تملك فوق إرادتها وقرارها الحاسم بالقتال، تجربة طويلة من حرب الغوار تمتد من فيتنام والصين مروراً بلبنان والجزائر وصولاً لكوبا، الأمر الذي سيسجل في صفحات التاريخ كدرس ملهم لحركات التحرر والمقاومة، اتفاقاً وفق هذه الشروط والمعطيات سيكون انتصاراً منجزاً للمقاومة ومحورها.

هذا يدركه سياسيو وجنرالات دولة الإبادة. ويبدو جلياً أن محور المقاومة أدرك جدياً، وهو ما يتضح من ضربات حزب الله فجر الخامس والعشرين من آب. حقيقة أن التفاوض بات لهدف واحد مزدوج: الاستمرار بحرب الإبادة لفرض استسلام مؤمّل وموهوم في آن، وتأجيل رد المحور المعلن والمنتظر على العدوان، فهذا الهدف ليس بخافٍ على أحد، ولكن إذا كان من المفهوم أن أي رد على عدوانية دولة الإبادة على دول وشعوب المحور تتطلب حسابات سياسية وعسكرية ودبلوماسية وجغرافية، بالتأكيد هم أدرى بها، حسابات تكفل الرد دون الوصول لحرب شاملة في المنطقة، أعلن المحور أنه لا يريدها رغم جاهزيته لاحتمالية وقوعها. إذا كان هذا صحيحاً، وهو كذلك بالتأكيد، ولكن من الصحيح أيضاً أن عدم الرد يعني توفير شروط إطالة حرب الإبادة والمجازر، والسماح لنتياهو وبايدن باستخدام التفاوض وسيلة لإطالة حرب الإبادة، وهو ما لن يسمح به المحور، وهذا ما جسّده حزب الله ليلة الرد الموجع.

أما الرد دون الوصول لحرب شاملة في المنطقة، فالعقلية العسكرية لقادة المحور، وخاصة في إيران ولبنان، قادرة على اجتراح رد عسكري يوازن ما بين (تأديب) الصهاينة على عدوانيتهم، وصيغة (التأديب) ترددت في تصريحات المحور، وبين عدم الانجرار للحرب الشاملة المفتوحة.

كان الرهان على اتفاق وفق شروط المقاومة يستبدل الرد القاسي والموجع من قبل محورها، برد محسوب ورمزي، موقفاً صحيحاً تماماً، ولكن استمرار الرهان على هذا الخيار لم يعد خياراً سياسياً مقنعاً للمحور وحاضنته الشعبية على امتداد الإقليم، بعد اتضاح هدف المفاوضات من قبل الصهاينة والإمبرياليين. هذا ما فهمه حزب الله جيداً ومارسه مع بدء ضربته.

وإعلان حزب الله في بيانه الأول أنه ضرب موقعاً استراتيجياً هاماً سيعلن عنه لاحقاً، وطلب نتنياهو من وزرائه عدم الإدلاء بتصريحات، وإعلان دولة الإبادة أنها لن تصعّد بعد اشتباك فجر الخامس والعشرين إن لم يصعّد حزب الله، كل ذلك يؤكد ما تتداوله الأنباء من أن ضربة حزب الله أصابت في مقتل هدفاً استراتيجاً على مستوى قيادة الموساد والاستخبارات العسكرية، كما تناقلت الأنباء، ويبقى الحسم في هذا في الإعلان المنتظر لحزب الله وفي خطاب نصر الله المنتظر. أما الحديث عن (ضربة استباقية) تتفاخر بها دولة الإبادة فتكذّبها المعطيات التي تشي بقوة ضربات حزب الله وعدد صواريخه والهدف الاستراتيجي الذي أصابه كما أعلن. التجربة أكدت مصداقية إعلام حزب الله وأكاذيب إعلام دولة الإبادة، حتى لدى مستوطني الدولة.

لقد تمادت دولة الإبادة في اغتيالاتها ومجازرها، وتعطيلها للوصول لاتفاق بكل السبل الممكنة، مدعومة سياسياً من الإمبريالية الأمريكية وصهاينتها مثل بلينكن وبايدن وهاريس، لذلك كان الرد التصعيدي من حزب الله في لحظة تجمعت عندها كل عوامل ضرورة هذا الرد، وبهدف عدم السماح ببقاء الحال على ما هو عليه قبل هذا الرد.

.............

كان الرهان على اتفاق وفق شروط المقاومة يستبدل الرد القاسي والموجع من قبل محورها، برد محسوب ورمزي، موقفاً صحيحاً تماماً، ولكن استمرار الرهان على هذا الخيار لم يعد خياراً سياسياً مقنعاً للمحور وحاضنته الشعبية.