الأردن وتأثره بمحيطه من الدول الملتهبة
كريستين حنا نصر
موقع المملكة الاردنية الهاشمية الجيوسياسي يندرج في منتصف البلدان الملتهبة المجاورة ؛ سوريا ولبنان والعراق والصراع الاسرائيلي مع حماس في غزة ، وكل ذلك له انعكاسه وتأثيره على الأردن، خاصة اليوم وفي هذه المرحلة الدقيقة الخطيرة التي تفاقمت معها التطورات الأمنية، وتحديداً بعد حرب غزة المستمرة ، والصراعات الميدانية المشتعلة في سوريا وتفاقم فتيل الحرب في لبنان، خصوصاً الصراع الاسرائيلي مع حزب الله المدعوم من ايران ، والذي أدى الى اجتياح بري اسرائيلي الى جنوب لبنان ، وما رافقه من قصف مناطق متعددة من لبنان مثل بيروت وجبل لبنان وقضاء زغرتا على الحدود الشمالية مع سوريا.
السؤال المهم هنا ما تأثير كل هذه الكرات المشتعلة على الاردن ، هل سوف تتاثر بشظايا النار الملتهبة مؤخرا ، وتتفاقم الى حرب اقليمية ، وبعدها سوف تؤدي حتماً الى انشاء الشرق الاوسط الجديد.
وعادة وبحسب ما تعلمناه من التاريخ، أنه وبعد نيران الحروب وعندما يخمد جمرها، سوف تؤدي الى تغييرات جذرية في منطقة الحرب ، خاصة مع وجود هيمنة المنتصر في هذه الحرب ، والذي سيعمل على بسط سيطرته السياسية والاقتصادية ، وبالتالي وضمن الواقع الذي تعيشه منطقتنا الآن ، يكون السؤال هل ستتاثر حدود بلداننا ، وما مستقبل ايران الحالي وهيمنتها على لبنان من خلال حزب الله الذي تدعمه ، فهل تتقلص هيمنتها على لبنان ويتاثر بذلك نفوذها في اليمن والعراق، وبالنسبة لسوريا هل ستشهد انقسام لاراضيها أم سيكون مصيرها قيام نظام لا مركزي تعددي يحافظ على وحدة اراضيها ، وفي حال تعرضها لسيناريو التقسيم الجغرافي ، فكيف سيكون تأثير ذلك على جارتها الأردن وتحديداً الحدود الشمالية للاردن مع جنوب سوريا ، فالى اين تذهب منطقتنا، وهل سيكون للدولة المهيمنة القوية التي ستتمكن من انهاء النزاعات الملتهبة والقائمة دوراً في رسم معالم خارطة الشرق الأوسط؟ ، ومما يدفعنا للتفكير والسؤال حول مدى تأثر الاردن، واحتمالية توسع حدوده في اطار حدوث سيناريو توسع حدود البلدان وتقلص مساحة ما يجاورها ، كل ذلك يقودنا لسؤال أبرز واكثر أهمية وهو ما هو شكل النظام السياسي الجديد في الشرق الأوسط والمتصل طبعاً بالقوى الجديدة المهيمنة على مفاتيح التصرف برسم حدود الشرق الاوسط الجديد ، والذي سوف يتشكل على ما يبدو بعد نهاية هذه الحرب والصراع الذي تعيشه المنطقة والمتمثل بالصراع في غزة .
ولاشك أن مستقبل الاوضاع الاقتصادية في المنطقة مطروح أيضاً ، في ظل انطلاق الخط الحديدي الهندي الذي سيمر عبر آسيا ومنها الأردن باتجاه اسرائيل ومن ثم الى موانىء أوروبا متجها الى الهند، وهذا المشروع اطلقته الولايات المتحدة الامريكية خلال افتتاح قمة العشرين في الهند عام 2023م، وهو على مايبدو ضمن سياسة امريكا لمواجهة مبادرة البنية التحتية العالمية الصينية ومشروع طريق الحرير الجديد "الحزام والطريق" ، أي أن هذا ضمن استراتيجية الحرب المبطنة بين القطب الامريكي وروسيا والبركس في منطقتنا ، ولا شك أن للأردن موقع جغرافي متميز يتوسط بين دول بلاد الشام المشتعلة بالصراعات والحروب، مما سيؤثر على حدودنا الشمالية مع سوريا والعراق التي تتواجد فيها الميليشيات المدعومة من ايران ، ومشكلة تهريب المخدرات وتسلل بعض المسلحين اليها ، والأهم الان الصراع الدائر في منطقة الجولان المحاذية لسوريا والاردن أيضاً ، هذه المنطقة الحدودية التي تشهد صراع مع الميليشيات الايرانية واسرائيل وقصفها لهم مؤخراً ودخولها البري للمنطقة الحدودية مع سوريا، مع وجود امكانية تطور الصراع في هذه المنطقة وتهديد اسرائيل باحتلال جبل الشيخ السوري ، والتغييرات الجديدة التي ربما ستشهدها المنطقة حتماً ستؤثر على حدود معاهدة سايكس بيكو والتي قد تصبح من الماضي ، والتي انتهت مدتها بعد مرور مائة عام على توقيعها ، فما الشكل الجديد للمنطقة وما التسويات المطروحة والتي سوف تؤثر على مستقبل وشكل بلدان سايكس بيكو وما هو الشكل والكيانات الجديدة المحتملة لها ، والمرتبطة بالمصالح والسياسة الجديدة ، والتي سوف تؤدي الى احداث تغيير في الانظمة وتخلق واقع سياسي جديد لشرق أوسط جديد ، والاردن هو في قلب كل هذه التطورات المتسارعة وفي منطقة على مشارف تحولات كبيرة ، خاصة في هذه الأيام العصيبة بما تشهده من حروب مستمرة خاصة في ظل الصراع الدائر في غزة والصراع الاسرائيلي مع حزب الله ، وبالتالي لمن ستكون قبضة مفاتيح رسم خارطة المنطقة فهل ستكون بيد امريكا وحلفائها من الدول العربية مثل الأردن ومصر ، والدول الملتزمة بمعاهدات سلام مع اسرائيل في المنطقة؟ ، وطبعاً على حساب مطامع ايران وبشكل يؤثر على مصلحة وهيمنة ايران على المنطقة ، وبصورة يحدث معها ما يمكن تسميته بطلاق تدريجي ناعم بين سوريا ولبنان والعراق واليمن من جهة وايران من جهة أخرى ، خاصة لبنان التي تعاني حرب بين حزب الله المدعوم من ايران مع اسرائيل على أرض لبنان التي لايوجد لها عملياً ناقة أو جمل في هذه الحرب المستمرة في تدمير لبنان ، ودولته السيادية التي تعاني من واقع ومآسي الحرب وتداعياتها وتعاني ايضاً وحتى الان من إمكانية النجاح في انتخاب رئيس للبنان.
الاردن اليوم تضرر كثيراً وتحمل الأكثر جراء هذه النزاعات ، خاصة العدد الكبير من النازحين واللاجئين جراء الحروب والذين استقبلهم داخل اراضيه ، كما لحق الاردن الضرر بسبب الصراع في غزة مما جعل وضعه الاقتصادي في انحدار وتراجع شديد ، خاصة توقف الملاحة في البحر الاحمر جراء الصراع مع الحوثيين ، والذي ترك تأثيراً واضحاً على حركة التجارة في ميناء العقبة الشريان البحري الوحيد للاردن ، وكل هذا اثر سلباً على السياحة الاردنية الوافدة التي أصبحت شبه معدومة رافقها اغلاق العديد من المنشآت السياحية بما فيها الفنادق ، وعلى سبيل المثال في البترا( احدى عجائب الدنيا السبع) ، كذلك اغلاق فنادق في وادي رم وعمّان وعدة مدن سياحية ، كما يعاني الاردن في المناطق الحدودية المحاذية لسوريا والعراق وتسلل المسلحين منها وتهريب المخدرات وليس فقط المتجهة نحو الدول المجاورة مثل السعودية ، بل أيضاً تأثر منها الشعب الأردني الذي انتشرت في مجتمعه ظاهرة المخدرات.
وعلى الصعيد السياسي فقد شهد الاردن تحركات سياسية دولية مكوكية نشطة ومكثفة مؤخراً ، سعياً نحو اخماد نيران الحرب وضمان عدم توسعها ، خاصة في ظل انبعاث المخاوف من قيام حرب اقليمية شاملة ، تُبذل اليوم جهود كبيرة لاحتوائها، ولقد شهد الاردن مؤخراً زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لمناقشة الوضع الحالي في لبنان وتطوراته مع جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، كذلك كانت زيارة وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي إلى الاردن حاملاً رسالة الى الملك، وكل هذه المباحثات واللقاءات تاتي في سياق احتواء الصراع وتداعياته الخطيرة على المنطقة، خاصة على الاردن ووضعه الجغرافي الحرج بين ايران واسرائيل وما ينتج عن المواجهات الصاروخية بينهم في اشتعال سماء المملكة ، فما هي رسالة ايران الى الاردن إذا ضربت اسرائيل ايران واستخدمت الاجواء الاردنية، ايران سوف تهاجم الدول التي استخدمت لمرور الصواريخ الاسرائيلية التي ستضرب ايران؟ طبعاً اما مرور صواريخ ايران فوق الاردن وسقوط بعضها هو مسموح من وجهة نظر ايران!!، على اي حال ممكن أن لا تستخدم اسرائيل الأجواء الاردنية ومن المحتمل أن تقصفها بصواريخ تنطلق من البحر وبشكل اقرب الى ايران، هذا في حال قررت اسرائيل الرد على الضربات الايرانية أولاً.
كما شهد الأردن تحركات لزيارة وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي الى سوريا واللقاء بالرئيس بشار الاسد، وايصال رسالة موجهة له من العاهل الاردني جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، ومضمونها التهديدات الجارية على الحدود المشتركة وخاصة الصراع الدائر على الحدود المحاذية للجولان وسوريا والاردن حيث شهدت الحدود مؤخراً دخول بري اسرائيلي محدود ولمسافة بسيطة تجاه الحدود السورية وقامت بتجريف الاراضي ووضعت حواجز وتشييك عليها ، وتداعيات توسعه على المنطقة، والموضوع الاهم هو ملف اللاجئين السوريين في الأردن والذي أثقل كاهل الاقتصاد الاردني ، الذي لا يستلم مساعدات ومنح دولية للاجئين ، كذلك ما تحدثه ازمة اللجوء على البنية التحتية الاردنية من ضغط كبير، بما في ذلك المدارس التي اضطرت اعتماد نظام الدراسة على فترتين اي المسائية وتزايدت اعداد الطلبة والاكتظاظ في المدارس والصفوف ، وبالتالي من الواضح جلياً أن الاردن هو المتضرر الاكبر من الحرب في المنطقة.
ان الصراع في المنطقة دائر ومحتدم ولا احد يعرف اين تتجه البلدان العربية وشعوبها في المنطقة ، وماذا سوف يكون الشرق الاوسط الجديد ، اتمنى ان يكون مستقبلنا أفضل بعد هذه الحروب المشتعلة ، أفضل وايجابي أولاً لهذه الشعوب العربية التي عانت الكثير على مدار عقود من الصراع والاقتتال ، واتطلع للاردن وطني أن يحافظ على الامن والامان الذي يحظى به وان ينتعش اقتصاديا ، واتمنى أن تكون دولنا افضل واقعاً اقتصادياً وسياسياً بدساتير عالمية متطورة تضمن حقوق الشعوب وعيشها ورخاء اقتصادي لجميع أطياف المجتمعات ، والاهم رفع مستوى التعليم لهذه الشعوب .