حملت أختها وهنًا
بهاء رحال
أتذكر يسرى إذ حملت أختها الصغرى في الهجرة، ومشت وهي تضعها على خاصرتها في الطريق الوعر المرصوف بالحصى، وقطعت واد الصرار، وواصلت المسير رغبة في النجاة حتى نجت من ويلات الهجرة وقسوة الطغاة ورعب المصير، وحطت بأرض المخيم الذي سيكون اسمه الدهيشة مأخوذًا من الدهشة التي كان عليها حال المكان، قبل أن يزدحم بجموع اللاجئين الباحثين عن النجاة شديدي الرغبة بالعودة إلى قراهم وديارهم التي هجروا منها قسرًا وقهرًا أبان النكبة الكبرى.
طفلة في ربيع عمرها تحمل على كتفها أختها المصابة وتمشي بها في شوارع غزة، رغبة في الوصول إلى المستشفى لمداواتها هناك، وفيديو يوثق تلك الحادثة في مشهد إنساني غير معهود، ولو كانت الصورة قادمة من أي مكان في العالم لتحركت الأمم وتحركت الدول، وقامت الدنيا ولم تقعد، بيد أن كونها قادمة من غزة فواصل العالم صمته ولم يتحرك، كما لم يتحرك في الأيام والأشهر الماضية على نحو مريب وغريب، يخجل منه كل إنسان في داخله ضمير، وستخجل منه الأجيال القادمة وهي تقرأ عن صمت البشر، أمام وحشية حرب الإبادة في غزة.
الطفلة التي حملت أختها على كتفها ومشت باحثة عن مركز طبي أو مستشفى قريب، وفي عيونها حزن الأبد وجسدها الصغير المنهك بالتعب والجوع والعطش، شاهدة على حجم المأساة وفصول المعاناة وواقع الحال الذي لم يعد يطاق، وهي تكرر نفس المأساة بين نكبتين وإبادتين، في رحلة الألم الفلسطيني المستمر.
أيام ثِقال ومعاناة مستمرة، والواقع على الأرض في غزة لا يحتمل، بينما تتواصل خطط الإبادة والتهجير، وتتواصل عمليات القصف والقتل والتدمير، ويزداد ظرف الواقع تعقيدًا في وجوه الصغار والكبار وعلى حد سواء، فالحياة في غزة أشبه بالمستحيلة، والناس يتطلعون لوقف الإبادة، وأن يتدخل العالم لإنقاذ ما تبقى من بشر يعيشون على قيد الحياة منهكين ومتعبين في العراء، ولا يمتلكون شربة ماء أو رغيف خبز.
بين زمانين تحمل الأخت الكبرى أختها الصغرى على كتفها المنهك بالتعب، وهي تمشي في الطرقات الوعرة، وفوق الحصى والرمال، بحثًا عن ملاذ وعلاج وطعام وشربة ماء، تعد خطواتها خطوة خطوة، وتحبس في داخلها أمنيات الرجاء والدعاء بالوصول، لتنجو أختها التي تصغرها بعامين أو ثلاثة أعوام، علها تجد من يطبب لها قدمها المصابة.
الأطفال في غزة يستحقون الحياة، ويستحقون أملً