شمال غزة.. صراع البقاء في مواجهة التهجير
فادي أبو بكر
تشهد منطقة شمال غزة منذ السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2024 تصعيداً خطيراً في الأحداث، حيث تعرض الفلسطينيون لمجازر وعمليات تطهير عرقي مروّعة، أسفرت عن استشهاد نحو 500 فلسطيني حتى تاريخه. وقد تزامن هذا التصعيد مع قصف مكثف للبنية التحتية، ما أدى إلى عزل المنطقة وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية، وكأنما بدأت إسرائيل بفرض "خطة الجنرالات" الهادفة إلى إجلاء سكان شمال غزة وعزل المنطقة بالكامل.
وعلى الرغم من نفي الجيش الإسرائيلي تنفيذ "خطة الجنرالات"، فإن طبيعة العمليات العسكرية على الأرض، والحصار المفروض على سكان شمال القطاع، تشير بوضوح إلى النوايا الإسرائيلية في تهجير الفلسطينيين قسرياً من شمال القطاع. ولم تعد أصوات اليمين المتطرف الإسرائيلي تدعو فقط إلى إعادة الاستيطان في غزة، بل تعكس أيضاً طموحات توحشيّة لتحويل المنطقة إلى كيان خالٍ من الفلسطينيين.
كان القيادي في حركة حماس، خليل الحية، قد أشار إلى وجود اتفاق جاهز لوقف إطلاق النار، متّهماً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعطيله لتحقيق أهدافه في تهجير السكان. وعلى الجهة الأخرى، أكد وزير الخارجية المصري أن إسرائيل لا تملك الإرادة السياسية للتقدم في المفاوضات، ما يعكس الإصرار الإسرائيلي على المضي قدماً في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين، وعدم إكتراثها بالمسار التفاوضي.
وفي خضم هذه الأوضاع الكارثية، اكتفت الولايات المتحدة بتحذيرات خجولة لتحسين الوضع الإنساني في شمال قطاع غزة، قوبلت بالسماح الإسرائيلي لعدد محدود من الشاحنات المحملة بالمساعدات لا تكفي الحد الأدنى اللازم لإغاثة نحو 400 ألف نسمة في شمال القطاع، ما يعكس قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الضغط الحقيقي إن توفرت الإرادة والرغبة الأمريكية. كما وتبرز تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي قال فيها أن "وقف إطلاق النار ممكن في لبنان، لكنه أصعب في غزة"، عدم أولوية وقف الحرب على غزة في الأجندة الأمريكية.
يتّجه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الثلاثاء الموافق 22 تشرين أول/ أكتوبر 2024 إلى الشرق الأوسط في زيارة تهدف ظاهرياً إلى التنسيق بشأن الحرب في قطاع غزة. وبينما تبرز تأكيدات نائبة الرئيس كامالا هاريس على ضرورة إنهاء الحرب، فإن دعمها الدائم لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس يعكس تبايناً واضحاً بين التصريحات والواقع على الأرض. ومن المرجّح أن تركّز زيارة بلينكن على حدود المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية والضربات الإسرائيلية على لبنان، بما يضمن عدم تطور الحرب الحالية إلى حرب إقليمية واسعة وشاملة، إلى جانب بحث كيفية استثمار غياب الشهيد يحيى السنوار لفرض صفقة تتماشى مع الشروط الإسرائيلية والأمريكية، بدلاً من التركيز على وقف المجازر الإسرائيلية في شمال القطاع.
يبرز صمود الفلسطينيين في شمال قطاع غزة وجباليا على وجه الخصوص، كعامل حاسم في إفشال مخططات الاحتلال وأهدافه، ما يتطلب استنفار الجهود عملاً بتوجيهات الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمختلف جهات الاختصاص وعلى رأسها السلك الدبلوماسي لتجنيد مزيد من الضغط الدولي لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة، خاصة حرب التجويع ضد أهلنا في شمال القطاع، وتنسيق الجهود مع المؤسسات الأممية والاغاثية للضغط من أجل استئناف إدخال المساعدات لشمال قطاع غزة، تعزيزاً لصمود المواطنين هناك.
تمثّل الأحداث الجارية في شمال غزة اليوم تذكيراً صارخاً بالعواقب الوخيمة للاحتلال، وتتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لوقف المجازر والتطهير العرقي. صحيح أن الصمود الفلسطيني في وجه التهجير سيكون له أثر كبير في إحباط المخططات الإسرائيلية، لكن ذلك يحتاج إلى دعم حقيقي ومؤثر من كافة الأطراف المعنية لا سيّما الفلسطينية منها، حيث يبقى إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية شرطاً أساسياً لمواجهة الخطط التوسعية الإسرائيلية أو حتى الخطط الأمريكية المحتملة بعد الانتخابات الرئاسية، وكسب الدعم الدولي لإنجاز مشروع الدولة الفلسطينية