سوريا تحت الانتداب التركي والاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي
راسم عبيدات
بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، قال إن ما حدث في سوريا تم بمعرفتنا، وبالتنسيق مع الجولاني، الجولاني الذي خلع عمامته كحاكم لـ"دولة إدلب"، كي يجري "تحضره" و"تحضيره"، حتى يصبح مقبولاً كهيئة ومنظر، ليكون الرئيس السوري القادم، بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكي والدولي، فأمريكا مصالحها فوق أي اعتبار، وهذه الخطوة العملية، تؤكد انخراط أمريكا في المشروع الأمريكي- التركي – الإسرائيلي. الهدف ليس فقط إسقاط النظام السوري السابق، بل العمل على إسقاط سوريا كدولة ومؤسسات وجيش وجغرافيا، وفي هذا المشروع مثلت تركيا الداعم العسكري والأمني، وقطر الراعي المالي والإعلامي، وبقول الرئيس الأمريكي ترامب، إن تركيا لها أطماع قديمة في سوريا، ولذلك هي مثلت الخلفية العسكرية لما يعرف بجبهة النصرة التي سيطرت على الجغرافيا السورية، ووزير الخارجية التركي حاقات فيدان، في التأكيد على الانتداب التركي على سوريا، تحدث عن أمور لها علاقة بالسيادة السورية، مثل الدستور وتشكيل الحكومة وغيرها، وبالمقابل الإسرائيلي الذي يريد تحقيق إنجازات أمنية وجغرافية في سوريا بشكل سريع جداً، تحرك عسكرياً في عمليات قصف جوي غير مسبوق منذ عام 1973، لكي يدمر القدرات العسكرية التسليحية السورية بنسبة 80 -90 %، قصف قواعد ومطارات عسكرية، وموانيء وسفن حربية، ورادارات ووسائل دفاع جوي، وصواريخ بالستية وكروز، ومخازن أسلحة ومراكز بحثية وعلمية، وكذلك اغتيال العلماء والباحثين، ولم يكتف بذلك، بل جرى احتلال المنطقة العازلة والقسم السوري من جبل الشيخ، ووصلت قواته إلى مسافة 15 كم عن خط دمشق- بيروت الدولي، واحتلت إسرائيل 370 كم2 من الأراضي السورية، وسيطرت على مصادر ومنابع المياه السورية حوض اليرموك، وسد الوحدة، ورئيس وزرائها نتنياهو، ووزير حربه كاتس، ورئيس أركانه هليفي، وقائد المنطقة الشاملة غوردين، من قمة جبل الشيخ الذي أعيد احتلاله، قالوا إنهم سيبقون في المنطقة العازلة لفترة طويلة، وإن هضبة الجولان أصبحت جزءاً من "أرض إسرائيل"، وسيعملون على زيادة الاستيطان والمستوطنين فيها، وسيخصصون لذلك ميزانيات ضخمة، وإن بقاءها في أيديهم، واقامة منطقة أمنية في جنوب سوريا، من أجل حماية مستوطني هضبة الجولان وأمن إسرائيل. أما التركي وهو الراعي الأمني والعسكري، الذي بقي رئيسه أردوغان يحلم طول فترة ما عرف بالربيع العربي، والذي لم ينتج سوى خريفاً عربياً قاتماً، بأن يصلي في المسجد الأموي، فإنه قال بشكل واضح في الحروب تعاد صياغة جغرافيا الدول، وأنه إذا ما انزلقت الأمور نحو حرب إقليمية، فإنه سيعمل على ضم حماة وحمص ودمشق لتركيا، ناهيك عن أنه اعتبر أنه أنجز بإيجاد سلطة موالية له في دمشق، وبأنه سيتخلص من ملف النازحين السوريين، وسيتمكن من تصفية ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية "قسد" والتي تشكل مصدر قلق له وخطورة على أمنه القومي، في حين تصطدم هذه المهمة التركية بمعارضة أمريكية – إسرائيلية، والتي تحرص على بقاء تلك القوات الكردية داخل سوريا وخارجها، خدمة لمصالحها وأهدافها، فأمريكا تقول بشكل واضح، إذا أرادت السلطة الجديدة أن تقلع وأن تقيم حكومة جديدة، فعليها أن تأخذ المكون الكردي بعين الإعتبار، بأن يكون إقليم فيدرالي داخل الدولة السورية، كما هو الحال في العراق، يسيطر على الثروات النفطية والغازية السورية في تلك الجغرافيا، ويحتفظ بجيشه الخاص، ناهيك عن أنها تقول إن تلك القوات الكردية، لعبت دوراً أساسياً في محاربة "داعش" ووجودها مهم من أجل منع إعادة انبعاثها من جديد، والجميع يعرف من أوجد "داعش"، واستثمر فيها في العراق وسوريا، خدمة لمصالحه وأهدافه، ولتبرير استمرار احتلاله للجغرافيتين العراقية والسورية، وإسرائيل التي تخطط لإقامة دولة درزية في جنوب سوريا، رغم أن الدروز عبروا في بياناتهم بشكل واضح بأنهم لا يريدون الانفصال عن سوريا وعن عمق انتمائهم لدولتهم، في حين يريدون أن تكون هناك دولة كردية في شمال سوريا ، تتمدد إلى الأراضي العراقية والتركية أولاً، ومن ثم الأراضي الإيرانية، لكي تكون قاعدة لهم قريبة من إيران والعراق، يعملون على التعاون والتنسيق معها من خلال ما يسمونه بممر داود الذي سيعملون على شقه من خلال قاعدة "التنف" الأمريكية المنشرة على مثلث الحدود السورية – العراقية- الأردنية.
ومن هنا، فإن السلطة الجديدة أمام تحديات كبرى داخلية، فهل تستطيع أن تشكل حكومة سورية وسلطة قائمة على الديمقراطية والتعددية، عبر انتخابات ديمقراطية، تستجيب لتطلعات الشعب السوري، بعيداً عن الهيمنة والفئوية والطائفية والمذهبية والإقصاء؟ وكيف ستتعامل مع كل هذه الاحتلالات للجغرافيا السورية، وخاصة الجولان السوري المحتل؟ وقائدها وزعيمها الجولاني والذي أصبح اسمه أحمد الشرع، يقول إنه لن تكون سوريا منصة للعدوان على أحد، وإن سلطته غير معنية بمجابهة إسرائيل، وإلغاء التجنيد الإلزامي، والطلب من المقاومة الفلسطينية بتسليم سلاحها، وإخلاء قواعدها خارج المخيمات الفلسطينية، وحل كل أجنحتها العسكرية. وهل سيتم إلغاء قانون قيصر، ورفع الجولاني من قائمة الإرهاب؟ وكذلك الاشتراطات الأوروبية والأمريكية، بأن لا يكون هناك موقع وتواجد وموطىء قدم لإيران وروسيا في سوريا.
المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون قال بشكل واضح إن سورية هي صندوق باندورا الذي تمّ فتحه، ولن يستطيع أحد السيطرة على ما يخرج منه، محدداً ثلاث معضلات يصعب ضبطها: وهي الصراع الكردي التركي، والانقسام الحاد داخل المجموعات المسلحة، والتشدد الإسرائيلي بتحقيق مكاسب أمنية وجغرافية فورية من التغيير في سورية. ما يعني أن فوضى غير خلاقة سوف تحكم سورية.
التاريخ يعلم ويقول بعد أن جرى استعمار سوريا من قبل الفرنسي قبل مئة عام، توحدت كل المكونات والمركبات في سوريا، وطنية ومجتمعية، وتوحدت في تحرير سوريا خلال عشرين عاماً من الاستعمار الفرنسي، وفي لبنان وصلت الدبابات والقوات الإسرائيلية الى قلب العاصمة بيروت عام 1982، واستطاعت المقاومة اللبنانية أن تجبر الاحتلال على الانسحاب، وتحرير الجنوب اللبناني في 25 أيار 2000، وعوامل التفجير الداخلية والتدخلات والأجندات الخارجية، تقول إن المنشغلين في آليات تشكيل سلطة بدون موقف وطني سياسي يرفض الانتداب والاحتلال، ولا يهادن العدوان، سيقود ذلك الشعب السوري، لكي يطلق طاقاته في مقاومة الانتداب والاحتلال ووقف العدوان.