“حين ينهض الوعي من مقاعد الجامعة… وتتنفّس فتح جيلها الجديد”
د. منى أبو حمدية: أكاديمية وباحثة
د. منى أبو حمدية: أكاديمية وباحثة
في لحظة يُعاد فيها تشكيل الوعي الفلسطيني تحت ضغط النار والتحوّلات، جاء مقال الدكتور ياسر أبو بكر عبر صحيفة “القدس” ليعيد إلى الواجهة حقيقة لطالما حاول البعض تجاهلها: أن فتح ما زالت قادرة على استيلاد جيل جديد من الوعي، ما دامت الشبيبة الفتحاوية تنبض في الجامعات.
لم يكن كلام الدكتور ياسر مجرّد قراءة تنظيميّة أو حنين إلى تجربة قادها في الماضي، بل شهادة واثقة بأن الجيل الصاعد لم يفقد بوصلته، وأن الطاقات التي تراكمت في ممرّات الجامعة ما زالت قادرة على دفع الحركة والوطن إلى الأمام.
ولعلّ أهم ما يميّز هذا الطرح أنه لا يقدّم الشبيبة بوصفها “نادياً انتخابياً”، بل خندقاً أول للوعي الوطني، ومختبراً لإنتاج القيادات التي تؤمن بأن “الطالب ليس جمهوراً للهتاف، بل شريك في صناعة القرار”.
هذه الرؤية تعيد الاعتبار إلى الدور التاريخي الذي قامت به الشبيبة، يوم كانت الجامعة ليست حيزاً أكاديميا فحسب، بل ساحة يُصاغ فيها العقل الفلسطيني الجديد.
إن قراءة د. ياسر تعكس حقيقة يعرفها كل من عاش التجربة:
أنّ الشبيبة الفتحاوية ليست إضافة على فتح؛ إنها إحدى ركائز وجودها، ومرآتها الأكثر نقاءً حين تمرّ الحركة بمنعطفات صعبة. فالشبيبة لم تكن يوماً ظلاً باهتاً للتنظيم، بل الذراع التي ظلّت تمسك بالوعي عندما تكسرت كثير من الأدوات.
وفي اللحظة التي تستعد فيها الشبيبة لانعقاد مؤتمرها العام، يأتي هذا المقال بمثابة دعوة صريحة لإعادة بناء نموذج العمل الطلابي، وتحويله من شكل إلى مضمون، ومن ردود أفعال إلى مبادرات، ومن إدارة أزمات إلى صياغة رؤية طلابية– وطنية تمتدّ من قاعة المحاضرة إلى قلب المجتمع.
نعم…
الجيل الجديد ليس عاجزاً، بل ينتظر خطاباً يؤمن به، وثقافة تنظيمية تحترم دوره، وفتحاً تعيد وصل حاضرها بجذوة انطلاقتها الأولى.
وإن كان د. ياسر قد ختم مقاله بالشرارة التي اكتشفها في أعين الشباب، فإننا نضيف:
إن هذه الشرارة ليست ملك جيلٍ بعينه، بل امتداد لمسار طويل بدأته فتح يوم قالت للفلسطيني:
“كن أنت الفعل، ولا تنتظر أحداً ”.
وحين تنهض الشبيبة—كما يؤكد د. ياسر—لا تنهض وحدها، بل ينهض معها مشروع وطني كامل ما زال يفتّش عن طاقة هذا الجيل، وعن جرأته في التفكير، وعن صوته الذي لا يتلعثم حين يتعلق الأمر بفلسطين.
ولذلك، فإنّ مقال د. ياسر أبو بكر لا يردّ إلى الشبيبة مكانتها فقط، بل يضع أمامها مسؤولية أكبر:
أن تكون بوابة الوعي في زمن الضباب، وأن تكون جسر الغد حين تضيق الطرق، وأن تثبت أن فتح ما زالت قادرة على أن تبدأ من الجامعة، لتصل إلى الوطن كله.





