المخدرات والمشتتات: وجهان لعملة واحدة في تغييب العقل

محمد قاروط أبو رحمه

ديسمبر 3, 2025 - 14:49
المخدرات والمشتتات: وجهان لعملة واحدة في تغييب العقل

المخدرات والمشتتات: وجهان لعملة واحدة في تغييب العقل

محمد قاروط أبو رحمه

(ملخص: ينفرد الانسان بخاصية الحضور والغياب في لحظة واحدة، المشتتات مثل المخدرات، يشكل كل واحد منهما خطرا على حضور الفرد في الحاضر، ويذهبان العقل)

 

عندما نتحدث عن المخدرات، فإن الصورة الذهنية واضحة ومباشرة: خطر داهم يهدد الفرد والمجتمع، يدمر الصحة ويغيب الوعي. الحكومات والمجتمعات تحارب هذه الآفة بكل قوة.

 

لكن ماذا عن "المشتتات"؟ تلك الإشعارات المتدفقة على هواتفنا، التصفح اللانهائي لوسائل التواصل الاجتماعي، وضجيج العالم الرقمي؟ نتعامل معها على أنها جزء طبيعي من حياتنا اليومية، رغم أنها تحمل نفس الخطر الجوهري وإن كان بأعراض مختلفة.

الحكمة هنا تقتضي نظرة أعمق:

"تجنب المشتتات كما تتجنب المخدرات. فكل منهما يذهب العقل."

آلية الضرر المشتركة هي تغييب الوعي، الهدف النهائي للمخدرات هو فصل الإنسان عن واقعه، وتغييب عقله ووعيه للحظات من النشوة أو الهروب.

والمشتتات تفعل الشيء نفسه، ولكن بطريقة أكثر خبثاً وتدريجياً. هي لا تسلب الوعي دفعة واحدة، بل تسرقه على جرعات صغيرة ومستمرة:

فقدان التركيز، غياب العقل، المشتتات تمنعنا من التفكير العميق والموجه (كما ناقشنا سابقاً في مقال "الانتباه"). هي تذهب القدرة على التخطيط، التحليل، والتقييم الموضوعي.

الإدمان السلوكي يؤدي الى التحقق المستمر من الهواتف وهو شكل من أشكال الإدمان الذي يعيد تشكيل كيمياء الدماغ بطرق تشبه إلى حد كبير الإدمان على المواد المخدرة، بحثاً عن جرعة الدوبامين السريعة.

الهروب من الواقع، مثل المخدرات، توفر المشتتات ملاذاً للهروب من ضغوط الحياة، المسؤوليات، والواجبات، مما يجعلنا نعيش في عالم افتراضي زائف.

لماذا يجب أن نتعامل معهما بنفس الحذر؟

إذا كان ضرر المخدرات واضحاً ومباشراً (تدمير الصحة الجسدية والعقلية والاجتماعية)، فإن ضرر المشتتات خفي، ولكنه تراكمي (تدمير الإنتاجية، العلاقات، والقدرة على التفكير النقدي).

كلاهما يسرق أغلى ما نملك: وقتنا، عقولنا الحاضرة ووعينا باللحظة.

استعادة السيطرة على الذات

علينا أن نتعامل مع هواتفنا وشاشاتنا بنفس الحذر الذي نتعامل به مع أي مادة قد تضر بنا. يتطلب الأمر انضباطاً ذاتياً قوياً لنقول "لا" للمشتتات، تماماً كما نقول "لا" للمخدرات.

إن حريتنا الحقيقية (كما ذكرنا في مقالات سابقة) تبدأ عندما نتحكم بانتباهنا. لنحافظ على عقولنا يقظة وحاضرة، ولنتجنب كل ما يغيبها، سواء كان مادة مخدرة أو إشعاراً عابراً.