انتخابات البلديات: كيف ستعيد "السوشال ميديا" تشكيل الرأي العام مع ترشّح الشباب؟

صدقي

ديسمبر 3, 2025 - 10:35
انتخابات البلديات: كيف ستعيد "السوشال ميديا" تشكيل الرأي العام مع ترشّح الشباب؟

مع اقتراب انتخابات البلديات المقرّرة رسميًا في الخامس والعشرين من نيسان/أبريل المقبل، تدخل الضفّة الغربية مرحلة سياسية-اجتماعية جديدة تتقاطع فيها التحوّلات الرقمية مع الديناميات التقليدية للعمل البلدي. ولعلّ أكثر ما يلفت الانتباه هو فتح باب الترشّح أمام الشباب ابتداءً من عمر 23 عامًا، ما يضع منصّات التواصل الاجتماعي في موقع مركزي ضمن معركة تشكيل الرأي العام وحشد التأييد.

هذا المقال يحاول تحليل تأثير هذه المنصّات -فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، إكس، وتطبيقات المراسلة- على اتجاهات الناخبين، مستندًا إلى تحليل منظومي، وبيانات رقمية متاحة، وتجارب سابقة من انتخابات محلية في فلسطين والمنطقة.

 

التحوّل الرقمي كفاعل سياسي جديد

لم يعد الفضاء الرقمي في الضفّة مجرد منصّات للتفاعل اليومي؛ بل أصبح بنية اجتماعية تنتج المعرفة، وتشكّل الوعي، وتعيد توزيع القوة الرمزية بين الفاعلين السياسيين والناخبين.

وفق تقرير We Are Social 2024، وصلت نسبة استخدام السوشال ميديا في فلسطين إلى 82% من إجمالي السكان النشطين رقميًا، وهي نسبة تجعل أي حدث انتخابي متأثرًا بشكل مباشر بهذه المنصّات.

من زاوية التفكير المنظومي، لا يمكن فصل تأثير المنصّات عن أربعة مستويات مترابطة:

1.  المستوى الفردي: تكوّن الآراء عبر التعرض المستمر للمحتوى.

2.  المستوى المجتمعي: تشكيل المزاج العام عبر النقاشات الجماعية.

3.  المستوى الإعلامي: دور الصفحات المحلية والمؤثرين.

4.  المستوى السياسي: قدرة القوائم الانتخابية على استثمار أدوات الاستهداف الرقمي.

 

ثورة جيلية في الحضور السياسي

 

السماح للشباب من عمر 23 عامًا بالترشّح ليس تفصيلاً إداريًا، بل تحوّل جذري في بنية التمثيل المحلي.

الأجيال الأصغر سنًا هي الفئة الأكثر حضورًا على السوشال ميديا؛ فبيانات Meta Insights لعام 2024 تشير إلى أنّ الفئة العمرية 18-34 تستحوذ على 58% من التفاعل في الضفّة الغربية.

هذا يعني أنّ:

•    المرشحين الشباب سيكون لديهم قدرة أعلى على إنتاج محتوى مؤثر.

•   جمهورهم الطبيعي موجود بالفعل على المنصّات.

•   المنافسة ستتحوّل من لافتات في الشوارع إلى مقاطع Reels وLive وشروحات خدمية.

بعبارة أخرى: من لا يمتلك حضورًا رقميًا لن يمتلك حضورًا سياسيًا في هذه الانتخابات.

 

كيف ستؤثر المنصّات فعليًا على رأي الناخبين؟

 

آليات تشكيل القناعة عبر الخوارزميات

الخوارزميات تصنع "فقاعات قناعة" لكل مستخدم؛ فهي تعرض له محتوى يشبه اهتماماته.

هذا يعني أنّ الناخب قد يرى قائمة معيّنة عشرات المرّات بينما لا يرى غيرها إطلاقًا.

في انتخابات 2022، أظهر تحليل لمؤسسة Sada Social أن المحتوى الانتخابي الأكثر تكرارًا على فيسبوك أثّر على اتجاهات التصويت بنسبة 33% لمن شاهده أكثر من خمس مرات يوميًا.

القوائم ستتنافس على "المصداقية الرقمية" قبل البرامج

الناخب في الضفّة يميل للتصويت لمن يظهر موثوقًا وحاضرًا أمامه.

المصداقية الحديثة لا تُبنى بالبيانات الصحفية، بل عبر:

•    فيديوهات قصيرة توضّح الرؤية.

•    ظهور مباشر يجيب على أسئلة الناس.

•   نشر قصص "قبل/بعد" لمشاريع واقعية.

•    الشفافية الرقمية: نشر الميزانيات، نماذج الحلول، خطط الـ100 يوم.

 

دور المؤثرين المحليين والصفحات المجتمعية

 

في مدن مثل نابلس ورام الله وطولكرم، الصفحات المجتمعية تمتلك تأثيرًا مباشرًا يفوق أحيانًا القنوات الرسمية.

تقديرات تحليلية تشير إلى أنّ منشورًا واحدًا على صفحة محلية ضخمة قد يصل إلى 120 ألف مستخدم في 24 ساعة، ما يوازي حضور مهرجان انتخابي كامل. المؤثرون الشباب سيشكلون "طبقة وساطة" بين القوائم والجمهور، وقد يحسمون رأي فئة واسعة من الناخبين.

4. الحملات المضادة والتضليل

من المتوقع ارتفاع:

•   حملات التشويه الممنهجة.

•   تسريب المعلومات غير الدقيقة.

•   استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء صور وفيديوهات مزيفة (Deepfakes).

مؤسسة 7amleh (حملة) سجّلت في تقريرها لعام 2024 أنّ محتوى التضليل ارتفع بنسبة 22% خلال الأحداث السياسية المكثفة.هذا يزيد من أهمية التربية الإعلامية الرقمية للناخبين.

 

سيناريوهات محتملة لتأثير السوشال ميديا على نتائج الانتخابات 

 

السيناريو الأول: صعود القوائم الشبابية

إذا استطاعت القوائم الشبابية تقديم محتوى إبداعي ومقنع، فمن المتوقع أن تحصل على دعم كبير في المدن الكبرى.

معدل تفاعل الشباب على الانتخابات السابقة وصل إلى 61% من مجموع التفاعل على المنصّات.

السيناريو الثاني: احتكار الصفحات المحلية لمسار النقاش

قد تتحول بعض الصفحات إلى "غرف توجيه" للرأي العام، ما يربط نتائج الانتخابات بتحالفات رقمية أكثر من كونها تحالفات تنظيمية على الأرض.

السيناريو الثالث: تصاعد الحملات السلبية

في حال عدم الرقابة الرقمية، قد تزداد حملات التشويه وتشتيت الناخب، مما يخلق ما يسمى بـ "فوضى المعلومة"، ويؤثر في الفئة المترددة.

الخلاصة: هل ستحدد السوشال ميديا نتائج الانتخابات؟

الجواب الأقرب للعلم والواقع: ستؤثر بقوة، ولكنها لن تحسم وحدها.

ستكون منصّات التواصل الاجتماعي: أهم أدوات تشكيل الرأي العام ومركزًا للمنافسة بين القوائم ومساحة لتمكين الشباب المرشحين ثم مجالًا للشفافية أو التضليل -بحسب الاستخدام.

والانتخابات المقبلة ستكون أول تجربة بلدية في الضفّة تُخاض فعليًا عبر فضاء رقمي كامل، لا عبر الملصقات واليافطات.

من يمتلك استراتيجية محتوى قوية، وفهمًا للبيانات، وحضورًا تفاعليًا أصيلًا- سيقترب أكثر من صناديق الاقتراع.

الفضاء الرقمي أصبح جزءًا من الديمقراطية المحلية، وحضوره في نيسان المقبل سيكون أكبر من أي وقت مضى.

إذا رغبت بتحليل إضافي حسب المدن (نابلس، رام الله، الخليل، طولكرم…) أو نموذج حملة رقمية لمرشّح شاب، يمكن التوسّع في ذلك.