غزة هل على موعد جديد مع الحياة؟!

ناجي صادق شراب

أكتوبر 14, 2025 - 09:39
غزة هل على موعد جديد مع الحياة؟!

ناجي صادق شراب

توقفت حرب السنتين بعد أن دمرت كل مكونات الحياه في أصغر بقعة في العالم وأكثرها كثافة سكانيا بمساحتها التي لا تتجاوز الـ360 كيلو مترا مربعا ويعيش عليها مليونان ونصف مليون نسمة، نسبة الفقر بينهم تصل الخمسين في المائة والبطاله تفوق السبعين في المائة، وبعد حرب راح ضحيتها أكثر من سبعين الف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنيين وأكثر من مائتي الف ما بين جريح ومعاق وفاقدين القدرة على الحياة ليتحولوا لعبء على أي إدارة جديدة. توقفت الحرب ولكنها لم تنته رغم حديث مبادرة ترامب عن السلام الدائم دون معرفة كيف سيتحقق هذا السلام. الحياة الجديده لها مقوماتها وشروطها ومحدداتها. وهذه الشروط تحكمها عوامل متعلقة بإسرائيل التي تتبنى خيار الحرب في علاقاتها مع غزة، وبمن يحكم غزة حماس أم السلطة الفلسطينية الشرعية وبعوامل إقليمية ودولية، فهذه الحرب تركت تداعيات تجاوزت حدودها الضيقة لتصل إلى كل العواصم العالمية وتحكم منظومة العلاقات الدولية، وتركت تداعياتها على مستوي المنطقة العربية الحاضنة والشرق الأوسط لتفتح الباب امام خيار الحرب الدائمة. فالحرب امتداد للسياسة والسياسة تحكمها نتيجة الحرب والواقع السياسي الجديد. فحين تفشل السياسة تكون الحرب، وحين تبدأ الحرب تكون السياسة هي المخرج والمنقذ. ومن مبادئ الحرب الثابتة ما قاله المفكر الإستراتيجي الألماني كارل كلاوز فيتز في كتابه عن الحرب : أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى. والمقصود عندما تفشل الوسائل الأخرى في تسوية الخلافات والصراع تلجأ الدول إلى الحرب. وهذا هو حال غزة.

 فشلت السياسة في تحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ورفع الحصار عن غزة، لتذهب إلى اطول حرب عرفتها المنطقة وهي من الحروب الغير متكافئة بين إسرائيل كدولة قوة ومدعومة من قبل أقوى دولة في العالم الولايات المتحدة وبين حماس وفصائل المقاومة بأسلحتها التقليدية على أرض لا تصلح للحرب تتحكم في كل منافذها إسرائيل, ورغم ذلك لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة حتى الأن ولم تحقق حماس أيضا أهدافها وأولوياتها في الحكم والبقاء، فهي حرب صفرية, لكنها من الحروب الممتدة لما ورائها إقليميا ودوليا، فإسرائيل تعاني اليوم من العزلة الدولية وفقدت أخلاقياتها وديموقراطيتها التي كانت تتباهى بها وتوقفت الدول العربية عن السلام كخيار بديل للحرب  دون حل لقلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الإحتلال. وأهمية غزة أنها المحرك والبوابة الواسعة للسلام الدائم الذي تحدثت عنه مبادرة ترامب. وأساسها إعادة بناء الحياة في غزة، والبناء هنا ليس بالإعمار والبناء ولكن الأهم بإعادة بناء الإنسان الفلسطيني في غزة على أسس ومعايير وقيم جديده كغيره من شعوب الأرض. وأساس الحياة الجديده التي تجسد وتخاطب المحددات البيئية والسياسية لغزة، وهذه الحياة تكون على أرض غزة وليست على أرض غيرها من هنا كان رفض التهجير الذي هدفت إليه إسرائيل من وراء حربها.

 الحياة الجديدة تحتاج بنية تعلىمية وصحية جديده وعلى مستوى من التقدم والرقي ومنظومة تعلىمية تقوم على البناء والسلام والتعايش المشترك ونبذ العنف، وتحتاج إلى بنية إقتصاديه مستقرة، فغزة وبحكم كل خصائصها الجيوسياسية والسكانية لا تصلح لخيارات الحرب والقوة وكما يقال غزة تجاريه، فغزة بطبيعتها وطبيعة سكانها تنموية مدنية تعايشية وليكن معلوما أن غزة وعبر تاريخها قدمت أنموذجا راقيا للتعابش بين سكانها المسلمين وبين سكانها من الأقباط فكانت الكنيسة بجوار المسجد. هذا النموذج المطلوب استعادته من جديد .لكن الإشكالية في الحياة الجديده تكمن في إسرائيل وسياستها وخياراتها العسكرية وحصارها الدائم لغزة. فالنموذج الجديد للحياة في غزة وكما اشرت ان تقدم النموذج التنموي المدني والتعايش المشترك على مستوى العلاقة الشاملة حتى مع إسرائيل ، وهذا يتطلب مقاربات للحوار والتعايش ونبذ العنف والكراهية التي أوجدتها وعمقت جذورها حرب السنتين والحكم اليميني المتطرف في إسرائيل، غزة وبالمقابل ان تحكم غزة من إدارة مدنية.

 ولكي يتحقق هذا الهدف وتتوفر هذه الحياة لا بد من استئصال كل بذور الحقد والكراهية والقتل والانتقام بحل للصراع الفلسطيني وأساسه إنهاء الاحتلال، ومعاملة الإنسان الفلسطيني على أساس مقاربة الحقوق المتساوية مع غيره. والحديث عن هذه الحياة الجديده هي المقاربة للسلام الدائم والشامل على مستوي المنطقة، وهي الإختبار الحقيقي لكل المبادرات المطروحة. وبقدر إحساس المواطن في غزة بكرامته وآدميته وإنسانيته بقدر بلوغ وتأسيس هذه الحياة الجديده التي تبنى في العقول وفي البناء الفكري والعقيدي الذي يدعو للبناء والحياة, وهذه هي حياة غزة عبر كل مراحلها التاريخية  كمنطقة عابرة للتاريخ وتلاقي كل الثقافات والتعايش المشترك وشهرتها بارتفاع نسبة تعلىم أبنائها. والإشكالية الأخري التي تواجه الحياة الجديده والتي على حماس وكل الفصائل إدراكها أن عملية الإعمار اليوم هي الأولوية ولا يمكن لهذا الإعمار ان يتم مع السلاح، ونزع سلاح غزة مرهون بإعمارها وبناء الإنسان الجديد فيها، الإنسان الذي قدم العلماء والمبدعين في كل مكان , ويكفي أن أذكر هنا بنموذج الدكتور عمر ياغي استاذ الكيمياء والذي حصل على جائزة نوبل للكيمياء مولود في غزة. ويبقى ان هذه الحرب قلصت الخيارات في خيارين إما خيار الحرب والفناء الكامل ن وإما خيار الإعمار والبناء والإنسان الجديد.