حين تصبح البيانات وقود المستقبل

عبد الرحمن الخطيب
تلعب مجموعات البيانات دوراً محورياً في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، إذ تُعدّ البيانات الوقود الذي يغذي هذه الأنظمة ويمنحها القدرة على التعلم والتطور. ولا يمكن لأي خوارزمية، مهما بلغت دقتها، أن تعمل بفاعلية إذا لم تتوفر لها بيانات مصنفة وموثوقة تعكس الواقع الذي يفترض بها فهمه.
البيانات المفتوحة على شبكة الإنترنت تبدو لأول وهلة مصدراً ضخماً للمعلومات، لكنها في الحقيقة تعاني من الفوضى والتكرار والتشويش وغياب التصنيف المنهجي، ما يجعل الاعتماد عليها بشكل مباشر في التدريب أمراً محفوفاً بالمخاطر. وتأتي مجموعات البيانات لتقدم بديلاً احترافياً يتم جمعه وتصنيفه بعناية، مما يضمن نتائج أكثر دقة وكفاءة في بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي.
تتنوع مجموعات البيانات أو الداتا سيتس بحسب طبيعة البيانات المستخدمة، إذ توجد مجموعات نصية تُستخدم لتدريب أنظمة معالجة اللغة، ومجموعات صور تُساعد النماذج في التعرّف على الأشياء والوجوه والمشاهد، ومجموعات صوتية تُهيئ الأنظمة لفهم الكلام وتحليل النبرة، بالإضافة إلى بيانات الفيديو التي تستعمل في تطبيقات متقدمة مثل القيادة الذاتية أو المراقبة الذكية. ويسمح هذا التنوع بتغطية مجالات واسعة من الاستخدامات.
تمر مجموعات البيانات بسلسلة من العمليات الدقيقة قبل أن تصبح صالحة للاستخدام. تبدأ عملية جمع البيانات من مصادر متعددة، ثم تُنظّم وتُوسم بعلامات أو تصنيفات مناسبة، وبعدها تُعالج لإزالة الأخطاء والتكرار والتشويش. ويُعد فحص الجودة من أهم المراحل، إذ يتم التأكد من أن البيانات دقيقة، متوازنة، وخالية من التحيز قدر الإمكان، بحيث تضمن مخرجات موثوقة عند تدريب النماذج.
يتحول قطاع إنتاج مجموعات البيانات اليوم إلى صناعة عالمية واعدة، إذ بدأت الشركات الكبرى في البحث عن مزودين موثوقين يوفرون بيانات عالية الجودة بعيداً عن الفوضى الرقمية. ويشكّل هذا القطاع مساراً استراتيجياً للمستقبل، باعتبار أن من يملك البيانات يملك القدرة على تطوير الذكاء الاصطناعي والتحكم في اتجاهاته.
تؤكد تجربة شركة "أقلمة" في فلسطين أن هذا المجال يمكن أن يكون مساحة للإبداع والريادة المحلية. فقد تمكنت الشركة من أن تصبح مزوداً رئيسياً للعديد من الشركات العالمية، التي وثقت بجودة البيانات التي تنتجها واستخدمتها لتدريب أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة. ويبرهن هذا النجاح أن فلسطين قادرة على المساهمة في واحدة من أكثر الصناعات تقدماً في العالم.
يرسم الاهتمام المتزايد بمجموعات البيانات ملامح مستقبل جديد يقوم على دقة البيانات وموثوقيتها، ويؤكد أن جودة الذكاء الاصطناعي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة ما يتعلم منه. ومن هنا، يصبح الاستثمار في هذا المجال استثماراً في المستقبل ذاته، حيث تتحول البيانات إلى المحرك الأساسي للتنمية والابتكار.
* شركة "أقلمة" للذكاء الاصطناعي