ذكاء علي بابا... من السحابة إلى الخوارزميات

أغسطس 10, 2025 - 10:10
ذكاء علي بابا... من السحابة إلى الخوارزميات

عبد الرحمن الخطيب

زرتُ مؤخرا مقر شركة "علي بابا" في الصين، وفي اللحظة التي وصلت بها أرض المعرض الرئيسي للشركة، شعرت وكأنني انتقلت من توقيتنا الحالي الحالي إلى سنوات بعيدة في المستقبل. المكان مليئ بالتكنولوجيا، لكن ليس التي نعرفها عن علي بابا، شاشات عملاقة، منصات تفاعلية، نماذج ذكية، وكل شيء هناك يتحدث... بل يُفكر.

في مدخل معرض علي بابا الرئيسي، كل شيء يرحب بك بلغته الخاصة، ترى الذكاء الاصطناعي ينسج تفاصيل المشهد، من الأمن الذكي إلى النقل اللوجستي إلى تقنيات البيع بالتجزئة المعتمدة على الرؤية الحاسوبية، رأيت كيف تُدار مدينة بأكملها عبر غرفة تحكم واحدة، وكيف تُتخذ قرارات المرور والتوزيع والإنذار المبكر بالكوارث من خلال أنظمة تحليل البيانات الفورية والتنبؤ الذكي، شعرت لوهلة أن الإنسان بات يُرافقه ظل رقمي يقرأ عنه كل شيء، ويسبقه في اتخاذ القرار.

انتقلنا بعدها إلى معرض "علي بابا كلاود"، وهنا كانت الدهشة أكبر،  هذه ليست مجرد خدمات حوسبة سحابية كما نعرفها، بل منظومة متكاملة تُعيد تعريف العمل التقني من جذوره، رأيت خوادم ذات قدرة هائلة على معالجة البيانات، بعضها مزوّد بـ16 وحدة GPU بسعة تصل إلى 1.5 تيرابايت، تُستخدم لتدريب نماذج لغوية متقدمة بحجم يتجاوز التوقعات. ولأول مرة، أرى نظاما سحابيا يستطيع ربط 100 ألف وحدة معالجة رسومية في شبكة واحدة، ما يفتح المجال أمام تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على مستوى كوني.

استعرضت الشركة أمامنا مجموعة مذهلة من الخدمات السحابية المتكاملة، التي تكشف عن رؤية متقدمة للعالم الرقمي، بدأت الجولة مع خدمات الحوسبة السحابية، والتي توفر خوادم مرنة قابلة للتوسعة حسب الحاجة، تُدار بثبات عالي وتدعم سرعات شبكة خارقة، مع مستويات أمان متقدمة تجعلها مثالية للشركات والمؤسسات الباحثة عن أداء قوي وموثوق في بيئة مرنة وآمنة.

ثم انتقلنا إلى عالم الخدمات الحاوية (Containers)، وهي حوسبة حديثة تعتمد على تشغيل التطبيقات ضمن حاويات خفيفة دون الحاجة لإدارة العُقد أو البنى التحتية المعقدة، هذه التقنية تسمح بتشغيل التطبيقات بسرعة وكفاءة، وتُعتبر مثالية للبيئات الديناميكية التي تتطلب التوسع التلقائي والتطوير المستمر.

أما في محور التخزين، برزت خدمة التخزين السحابي، وهي حلّ متطور لتخزين البيانات بشكل آمن وفعال، يدعم الحفظ طويل الأجل، ويسهّل تحليل البيانات الضخمة دون تعقيد. الخدمة مرنة في إدارتها، وتُستخدم في تطبيقات مثل الوسائط المتعددة، النسخ الاحتياطي، وتحليلات البيانات.

ولأن البيانات هي نفط العصر، اطلعنا على  خدمات البيانات والتحليلات التي تشمل أنظمة مثل AnalyticDB، MaxCompute، وHologres. هذه الأنظمة تمكّن المؤسسات من معالجة كميات هائلة من البيانات وتحويلها إلى رؤى دقيقة تدعم اتخاذ القرار، وتُستخدم في مجالات متعددة مثل التسويق الذكي، إدارة المخاطر، وتحسين العمليات التشغيلية.

كل هذه الخدمات تعكس تطورا تقنيا متوازنا يجمع بين القوة، المرونة، والأمان، وتضع "علي بابا كلاود" في موقع متقدم ضمن خارطة مزوّدي الخدمات السحابية على مستوى العالم.

ومع كل هذه القدرات، بقي السؤال العالق في ذهني: من يستطيع الوصول إلى هذه التقنيات؟ الإجابة جاءت مفاجئة: النماذج مفتوحة المصدر في كثير من الحالات، والبنية التحتية مدروسة لتكون قابلة للتوسع حسب الحاجة، لا حديث هنا عن حواجز تقنية أو مالية، بل عن ديمقراطية رقمية تُعيد رسم مشهد التكنولوجيا العالمي.

اليوم، لا يمكننا أن نتحدث عن المستقبل دون أن ننظر نحو الشرق. الصين، ومن خلال شركات مثل "علي بابا"، لا تسعى فقط إلى اللحاق بالركب الغربي، بل تخطّه بأسلوبها الخاص. تكنولوجيا متقدمة، لكنها عملية. متاحة، لكنها عميقة. بأسعار منافسة، لكنها بجودة لا تُضاهى.

رسالة الصين واضحة: نحن هنا، ومعنا مفاتيح المستقبل. فإن كنتَ باحثًا عن بنية تحتية راسخة، أو باحثًا عن خوارزمية تتنفس ذكاءا، أو مجرد صاحب مشروع صغير يبحث عن حلول ذكية بسعر معقول، فإن بوابة "علي بابا" ليست مجرد اسم، بل هي بداية قصة.