صنع السياسة الفلسطينية للغد

غيرشون بسكين
أكتب هذا المقال بتردد شديد. أعلم أنني سأتعرض لهجوم من بعض الفلسطينيين، حتى من الأصدقاء والزملاء، لتدخلي في شأن فلسطيني داخلي. سيقولون مرة أخرى إن الاحتلال يخبرنا بما يجب فعله. وسيصر البعض على أن الحل الوحيد هو أن يعود اليهود إلى حيث أتوا. ولكن الحقيقة هي أننا، نحن الإسرائيليين اليهود وأنتم الفلسطينيين العرب، نتشارك نفس قطعة الأرض الضيقة. نحن هنا بأعداد متقاربة، ولدينا جميعًا ارتباط تاريخي وديني عميق بهذه الأرض لا يمكن إنكاره. كلا الشعبين موجودان هنا ليبقيا. الحل الوحيد لحربنا التي تجاوزت المئة عام هو أن نعترف جميعًا بالحقوق الوطنية الجماعية لكلا الشعبين في العيش في دولة حرة ديمقراطية قائمة على الكرامة والاحترام المتبادل — جنبًا إلى جنب— على الأرض بين النهر والبحر. أنا لا أتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية؛ بل أحاول تحليل واقتراح مسار للمضي قدمًا للشعب الفلسطيني نظرًا للترابط القائم بين الأنظمة السياسية وسياسات الطرفين. ما تفعله إسرائيل وما لا تفعله، وما يقوله القادة الإسرائيليون وما لا يقولونه، له تأثير كبير على فلسطين. وما تفعله فلسطين وما لا تفعله، وما يقوله القادة الفلسطينيون وما لا يقولونه، له تأثير عميق على إسرائيل. هذه هي واقعنا، وبالتالي ليس لدينا فقط الحق في اقتراح خطوات يمكن أن تؤثر إيجابًا على شعبينا، بل لدينا المسؤولية لفعل ذلك.
سيقول البعض: "اهتم بشأنك أنت— بالسياسة الإسرائيلية الفوضوية. إذا وافقت إسرائيل على إنهاء الاحتلال، فلن تعود هناك مشكلة لإسرائيل." أنا أفعل ما بوسعي على الجانب الإسرائيلي أيضًا لإصلاح بلدنا المنقسم. لكنني منخرط مع الفلسطينيين والسياسة الفلسطينية منذ أكثر من أربعة عقود. الكثير مما أكتبه هنا سمعته من أصدقاء وزملاء فلسطينيين وقرأته في الإعلام الفلسطيني. أعتقد أنه تمامًا كما أكتب أنا، الإسرائيلي، هذا المقال عن السياسة الفلسطينية الداخلية، ليس كنقد، بل كخطة برؤية لمستقبل سلام بيننا، أدعو الفلسطينيين إلى كتابة مقالات مماثلة حول السياسة الإسرائيلية.
في رسالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ٩ يونيو ٢٠٢٥، التزم الرئيس عباس بإجراء انتخابات عامة ورئاسية ديمقراطية وشفافة في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، خلال عام. وأكد عباس أن الانتخابات ستجرى تحت رعاية دولية، مما يتيح منافسة ديمقراطية بين الفاعلين الفلسطينيين الملتزمين بمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي، والتزاماتها الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبدأ "دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد"، مما يسمح بوصول جيل جديد من الممثلين المنتخبين لتحمل المسؤولية. كما أدان عباس هجمات ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ التي نفذتها حماس، وطالب بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن. وتعهد بإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مؤكدًا أن حكومة دولة فلسطين ستكون المزود الوحيد للأمن في أراضيها، ولن تكون دولة عسكرية. كما ذكر أن الفلسطينيين سيدعون قوات حماية عربية ودولية تحت تفويض أممي للقدوم إلى غزة. كانت رسالة عباس تأكيدًا قويًا على التزام الفلسطينيين بحل الدولتين، ورسمًا لخارطة طريق سياسية واضحة نحو الدولة. ربما كانت أهم التصريحات في الرسالة هي الالتزام بإصلاح النظام التعليمي الفلسطيني ليعكس رغبة فلسطين في العيش بسلام مع إسرائيل.
من الواضح أن عباس يتمتع بشرعية شعبية محدودة في فلسطين، فقد تم انتخابه عام ٢٠٠٥ وهو الآن في التسعين من عمره. أقترح أن تُنظر إلى هذه الرسالة الموقعة من قبله كآخر واجب وطني يقدمه للشعب الفلسطيني. لا ينبغي لعباس حتى أن يفكر في الترشح للانتخابات الفلسطينية القادمة. يجب أن يكون إرثه هو محتوى هذه الرسالة إلى ماكرون وبن سلمان. هذا هو الإرث الذي يمكن أن يعطي زخمًا كبيرًا لتنفيذ حل الدولتين، والولادة الفعلية لدولة فلسطين.
الانتخابات الفلسطينية حاسمة لأنه من الضروري أن يحدد الشعب الفلسطيني مساره السياسي للسنوات القادمة. ستحدد نتائج الانتخابات ما إذا كان الشعب الفلسطيني قد وصل إلى استنتاج مفاده أن الكفاح المسلح، والمقاومة المسلحة، لم يعودا استراتيجية مجدية. وستحدد ما إذا كان الفلسطينيون قد أدركوا أن أهم شعب يحتاجون إلى مخاطبته، بعد شعبهم، هو الجمهور الإسرائيلي. سيجد الفلسطينيون أنهم إذا أرسلوا رسالة واضحة لأنفسهم وللعالم بأن دولة فلسطين تسعى للسلام مع جيرانها، فسيكون لذلك تأثير كبير على الرأي العام الإسرائيلي وعلى الانتخابات الإسرائيلية المستقبلية. كما جاء في إعلان الاستقلال الفلسطيني في ١٥ نوفمبر ١٩٨٨ الذي كتبه محمود درويش وأعلنه ياسر عرفات:
"تعلن دولة فلسطين التزامها بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان... وتؤكد نفسها دولة محبة للسلام، ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي. ستنضم إلى جميع الدول والشعوب لضمان سلام دائم قائم على العدالة واحترام الحقوق، حتى يتحقق الرفاه للإنسانية، ويستمر التنافس النبيل، ويختفي الخوف من المستقبل أمام أصحاب الحق والذين لا ملجأ لهم إلا العدالة."
إذا أجريت الانتخابات الفلسطينية قبل الانتخابات الإسرائيلية، وإذا أرسلت نتائجها رسالة واضحة لإسرائيل والعالم بأن الشعب الفلسطيني ملتزم بضمان أن تكون دولة فلسطين دولة مسالمة تسعى للسلام مع إسرائيل على أساس حل الدولتين، فسيكون لذلك تأثير عميق على الناخب الإسرائيلي وسيضمن أن تركز الانتخابات الإسرائيلية بالكامل على قضية السلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين. نعم، هذا أداة مفيدة بالنسبة لي لضمان نتيجة إيجابية في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، ولكنه أيضًا وسيلة لضمان أن تكون حرب غزة آخر حرب إسرائيلية-فلسطينية.
من فهمي للسياسة الفلسطينية واستطلاعات الرأي الفلسطينية على مدى العشرين عامًا الماضية، يبدو لي واضحًا أن أغلبية الفلسطينيين لا يريدون فتح أو حماس. هذه الحركات السياسية هي سياسة الماضي، إلى جانب الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وغيرها من الحركات السياسية الصغيرة داخل منظمة التحرير. في الواقع، منظمة التحرير نفسها هي سياسة الأمس. يجب أن تكون الانتخابات الفلسطينية القادمة لرئيس وبرلمان دولة فلسطين. إذا كنتم تريدون دولة مستقلة، فعليكم التصرف كدولة مستقلة. هذا يعني أنكم لا تطلبون إذن إسرائيل لإجراء الانتخابات، ولا تطلبون إذنها لتصويت الفلسطينيين في القدس الشرقية أو غزة. هذه قضية ليس للإسرائيليين رأي فيها، بل هي قرار فلسطيني. القدس الشرقية هي أكبر مدينة فلسطينية في فلسطين، حيث يعيش حوالي ٤٠٠ ألف فلسطيني. ليس لدولة إسرائيل الحق في تحديد ما إذا كان الفلسطينيون في القدس يمكنهم المشاركة في الانتخابات. هناك طرق عديدة لتمكين التصويت حتى لو قررت إسرائيل عرقلة الانتخابات. لن أخوض في التفاصيل الآن، لكن اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية تعرف جيدًا كيف يمكن تحقيق ذلك، والعديد من الدول حول العالم ستكون مستعدة للمساعدة في إجراء انتخابات سلسة وشفافة لحكومة دولة فلسطين.
رغم أن فتح وحماس هما سياسة الماضي، فمن غير المرجح أن يقررا إبعاد نفسيهما إلى التاريخ كما فعل حزب العمل الإسرائيلي. حماس، كحركة، لن يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات لأنها ترفض فكرة حل الدولتين. قد يكون هناك حزب إسلامي جديد يقبل السلام مع إسرائيل ويطرح مواقف حول أهمية الإسلام في حياة دولة فلسطين. الحركة الإسلامية الإسرائيلية بقيادة منصور عباس مثال على التعبير السياسي الإسلامي السلمي المشروع. يمكن لفتح أن تجدد نفسها من خلال إدخال أصوات شابة جديدة وضمان أن كبار السن الذين يهيمنون على السياسة الفلسطينية يحتفظون بوضعهم كرموز سياسية متقاعدة.
ينص قانون الانتخابات الفلسطيني بالفعل على كوتا نسائية بنسبة ٢٥٪، ويجب تعديل القانون لضمان ألا تكون النساء في أسفل القوائم الانتخابية، بل في مواقع تمكنهن من الفوز. لا شك أن دخول عدد كبير من النساء الفلسطينيات إلى الحياة السياسية سيكون له تأثير إيجابي عميق ودائم على الثقافة السياسية الفلسطينية ومستقبل دولة فلسطين.
الأهم هو أن تقدم الأحزاب والقادة الفلسطينيون رؤية واقعية لمستقبل فلسطين التي تعيش بسلام وكرامة مع إسرائيل. شعارات مثل "من النهر إلى البحر، فلسطين حرة" ستكون إساءة كبيرة للشعب الفلسطيني، حيث تغذي الأمل الكاذب بأن إسرائيل ستختفي. أفترض أن الأحزاب التي تدعم الكفاح المسلح لن يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات. للديمقراطيات الحق والواجب في حماية نفسها من الذين يعرضون حياة الناس وأمن الدولة للخطر، كما فعلت حماس لسنوات عديدة. أهم درس يجب أن يتعلمه الفلسطينيون من حرب غزة هو أنه لا يوجد كفاح مسلح فلسطيني قادر على تحرير فلسطين.
فلسطين تحتاج إلى حكم مسؤول وجيد. هذا ما يريده الشعب الفلسطيني: حكومة تستجيب لاحتياجات الناس، خالية من الفساد، وتجلب التحرير والأمن والكرامة لجميع الفلسطينيين. الطريق لتحقيق ذلك هو فهم أن قراراتكم كفلسطينيين ستؤثر على القرارات المستقبلية لإسرائيل. تذكروا، حتى لو حصلتم على اعتراف ١٩٢ دولة عضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، فإن الاحتلال سينتهي وفلسطين ستصبح حرة فقط عندما تعترف إسرائيل بدولة فلسطين. هذه هي سياسة الواقع.
شعب إسرائيل وشعب فلسطين مرتبطان إلى الأبد لأننا نتشارك نفس الوطن. إما أن نستمر في القتال والقتل والموت معًا، أو نجد طريقة للعيش معًا — جنبًا إلى جنب بأمان وكرامة وسلام. لذلك لا تعتقدوا أنني كاحتلال متغطرس أخبركم كيف تعيشون أو ما القرارات التي يجب اتخاذها. أنا أريد انتهاء الاحتلال. أريد أن تكون فلسطين حرة. أريد أن يكون للفلسطينيين أمن. أريد جيرانًا سعداء ومزدهرين. وآمل أنكم تريدون نفس الشيء لي. لذا، نصيحتي لكم ليست نابعة من الغطرسة، بل من أعماق قلبي لأنني أرى الإنسانية في جيراني، وأريد أن تنتهي معاناتنا جميعنا إلى الأبد.