تصريح وتغريدة يكشفان حقيقة الأطماع التركية في سوريا

ديسمبر 7, 2024 - 09:13
تصريح وتغريدة يكشفان حقيقة الأطماع التركية في سوريا

وسام رفيدي

لا تنقص الدلائل على حقيقة الدعم والتخطيط التركي لهجوم المجموعات التكفيرية الإرهابية الأخير على حلب وحماة، كما لا تنقص الدلائل على أن تطوراً نوعياً في تسليح تلك المجموعات، بما حوّلها إلى ما يشبه الجيش النظامي، لم يكن ليتم دون الإشراف والتسهيلات التركية، خاصة أن تركيا تحتل تلك المناطق في الشمال، وأن الاستخبارات التركية، ومنذ اندلاع الأزمة في 2011 ليست ببعيدة عن بعض الفصائل، تمويلاً وتدريباً وتسليحاً. 

ليست المسألة مجرد دعم للضغط على الرئيس السوري للقبول بتطبيع العلاقات دون شرط مسبّق، علماً أن الشرط المسبّق للرئيس الأسد كان الانسحاب التركي من الأراضي السورية في الشمال، والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية، وهو شرط بكل المقاييس، مشروع ومنطقي وواجب. أردوغان يريد تطبيعاً على قاعدة استمرار احتلاله للشمال السوري. ومرة أخرى ليست المسألة في الموقف والدعم التركي للتكفيريين والإرهابيين، مجرد ضغط على الرئيس السوري، ولا السعي لضمان منطقة عازلة من الأكراد شمال سوريا، وكل هذا على جدول أعمال أردوغان، المسألة أعمق من ذلك.

تصريح وتغريدة يظهران حقيقة الموقف التركي الاستراتيجي من سوريا والشمال السوري. فمن على منصة البرلمان صرح دولت بهجتي زعيم الحركة القومية وحليف أردوغان في الحكم، بأن حلب وكركوك والموصل أراضِ تركية، مستعيداً ميثاقاً يتضمن خارطة وضعها أتاتورك للدولة التركية هي ذاتها الحدود القديمة للدولة العثمانية، يظهر فيها الشمالين السوري والعراقي، ضمن خارطة تلك الدولة، التي يطمح بهجتي ومعه أردوغان باستعادة جغرافيتها. وفي نبرة لا تخلو من ملامح فاشية قومية يشيد برفع العلم التركي على قلعة حلب (رفعته المجموعات الإرهابية من كل الأجناس والمسماة زوراً معارضة سورية)، ويشيد بالبلدة القديمة المسقوفة في حلب كما ذات سقوف البلدة القديمة في اسطنبول، في نوستالوجيا مرضية تحنّ لماضِ إمبراطوري، يسعى لاستعادة (أمجاد) الرجل المريض، الذي ينتعش اليوم بحلف شمال الأطلسي، وبمجموعات تكفيرية إرهابية تدين له بالولاء، والأهم بتيار إسلامي إخواني لا يجد حرجاً في الترحيب (بالخليفة الجديد)، أردوغان، طالما يعيد أمجاد الخلافة العثمانية المنهارة، ولو على حساب الوطن السوري. هذه النوستالوجيا لا تثير عندنا، بطبيعة الحال، نحن العرب، سوى تاريخ من الاستعباد والظلم والإفقار والتجويع والمظالم والعنصرية والتتريك، حتى لو تلفعت تلك النوستالوجيا بهدف الخلافة وراية الإسلام.

أما التغريدة فهي لابنة اردوغان، إسراء، التي تغرّد على منصة إكس (بعد 100 عام علم الدولة التركية العثمانية خفاق فوق محافظة حلب. نصر مبارك وفتح قريب)، هكذا ببساطة هو فتح إسلامي لبلاد الكفر، واستعادة لأمجاد الدولة العثمانية البائدة!! وهو إعلان قطعي لمن هي عند هذه المسافة من رأس الدولة، حول حقيقة الأطماع التركية في شمال سوريا. لذلك أيضاً يمكن النظر لما سعت له تركيا وعبر سنوات، لفرض نمط الحياة التركية (اللغة والعملة وتغيير أسماء المواقع للتركية واعتماد شبكة الاتصالات التركية)، على المناطق التي تسيطر عليها عبر (مجموعاتها) في الشمال السوري.

لذلك من الغريب، والمنفّر في آن، أن تجد بين العرب مَنْ يغض النظر عن هذه الأطماع، ويركز على تحميل المسؤولية للنظام في سوريا، في ما يبدو تبريراً لتركيا ومجموعاتها الإرهابية، وبالتالي دعماً لها دون مواربة. ربما يكون ذلك الموقف امتداداً لذات الموقف الإخواني، وموقف حزب التحرير، اللذين ظلا يتباكيان على الخلافة العثمانية، رغم فظائعها الموصوفة في التاريخ، (منتظرين) عودتها (المظفّرة)، مؤملين بقدرة (الخليفة الجديد) أردوغان على تحقيق هذا الحلم المرضي، الذي يقف على النقيض من الانتماء الوطني والقومي، الذي يقتضي الدفاع عن الوطن السوري في وجه الغزو والاحتلال التركي، بغض النظر عن أية تحليلات للأزمة تعود بنا للعام 2011، تحليلات ليست الآن بالذات سوى ستار للموقف المعادي لسوريا والداعم للعدوان عليها.

لذلك يمكن وضع التصريحات الرسمية التركية حول وحدة الأراضي السورية في مكانها الطبيعي: سلسلة الأكاذيب والنفاق، ليس في سوريا فقط بل وفلسطين. تذكرون الزعيق الأردوغاني حول ضم القدس الشرقية والذي انتج صفر ممارسة، وتصريحاته حول الإبادة في غزة، والتي لم تنعكس لا على العلاقات العسكرية، ولا السياسية، ولا التجارية، والأخيرة تم ترتيبها، بعد (القطع الرسمي) لها، عبر وسيط فلسطيني متفق عليه مع دولة الإبادة.