المنطقة على مفترق طرق وعتبة تطورات كبرى

أغسطس 3, 2024 - 13:40
المنطقة على مفترق طرق وعتبة تطورات كبرى

راسم عبيدات

بوتين في لقائه مع الأسد في موسكو في 24-7-2024، يبدو أنه يمتلك معلومات استخبارية دقيقة، بأن المنطقة ذاهبة نحو التصعيد، وسوريا ستكون في قلب ذلك التصعيد، ليس من قبل الجماعات التكفيرية والإرهابية في الشمال السوري المحتل، بل من قبل إسرائيل، وفي جعبة بوتين ما قاله وما سيقوله، وذلك من خلال الرغبة لليمين المتطرف الإنجيلي والعنصري أمريكياً وأوروبياً والراغب في توسيع دائرة الحرب عالمياً وإقليمياً وشرق أوسطيا. قمة الناتو الخامسة والسبعين في أمريكا، من ضمن قراراتها تخصيص دعم مالي أوروبي غربي لأوكرانيا بـ 40 مليار دولار، وإطلاق يدها في استخدام الأسلحة الغربية المتطورة من صواريخ استراتيجية وغيرها في ضرب العمق الروسي، وكذلك نشر أسلحة استراتيجية وصواريخ فرط صوتية أمريكية في ألمانيا، وبما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، وفرض المزيد من العقوبات المالية والإقتصادية على روسيا. نعم الترجمة لما قاله بوتين وما سبق اجتماع نتنياهو مع بايدن وخطابه في بيت الافتراء الأمريكي العالمي "الكونغرس"، وحفلة الرقص والتصفيق الغجرية لنتنياهو من أعضائه، كأكبر حفلة نفاق كما وصفها نصرالله في تأبين الحاج محسن، القائد فؤاد شكر. شنت إسرائيل عدواناً واسعاً على ميناء الحديدة اليمني بطائرات "إف 35"، مستهدفة مواقع تخزين الوقود ومحطة الكهرباء. وصودق بالقراءة الأولى في الكنيست بأغلبية 68 صوتاً مؤيداً مقابل 9 أصوات معارضة، برفض إقامة دولة فلسطينية على جزء من "أرض إسرائيل الكاملة"، بلغة جدعون ساعر زعيم حزب اليمين الوطني، في نفي واضح لوجود شعب فلسطيني وأرض فلسطينية وإلغاء وشطب لأكذوبة حل الدولتين ..

 فاليمين الصهيوني بشقيه الديني التوراتي والقومي، يرفض أي شكل من أشكال الكيانية الفلسطينية، تمكن من إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين التاريخية.. بعد لقاء نتنياهو- بايدن. جرى اتخاذ قرارات جوهرها ربط الملفات الاستراتيجية في المنطقة مع بعضها البعض، وبما لا يمكن ولا يسمح بهزيمة اسرائيل، أو تمكين محور المقاومة من ربح المعركة والانتصار في قطاع غزة، فهذا من شأنه تهديد كل المصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة، وتشكيل خطر وجودي على مستقبل وجود إسرائيل، ولذلك سلم نتنياهو أوراقه التفاوضيه لبايدن حول وقف إطلاق النار وصفقة التبادل في القطاع، بشروط نتنياهو المعدلة التي تشطب الوصول إلى اتفاق حول صفقة تبادل الأسرى، إلا ضمن شروطه، وعلى بايدن أن "يستحلب" الطرف العربي الوسيط قطر ومصر وأن يمارس ضغوطه عليه، لكي يضغط على حماس والمقاومة، لكي تستجيب لشروط نتنياهو، ولذلك اتضح هذا المخطط والمشروع من ما عرف بمفاوضات روما الرباعية أمريكا واسرائيل وقطر ومصر حول صفقة تبادل الأسرى، حيث لم يرسل نتنياهو لتلك المفاوضات سوى رئيس "الموساد" ديفيد برنياع، وغاب رئيس "الشاباك" غونين بار، ورئيس لجنة الأسرى والمفقودين نيتسان ألون عن تلك المفاوضات، لقناعتهما بأن نتنياهو لا يريد صفقة لتبادل الأسرى ويربط اتمامها بشروطه التعجيزية. أمريكا التي تواجه استحقاق سحب قواتها من العراق، تريد التملص من اتمامه، عبر ربط ملف الانسحاب لجيشها وقوات أمنها من العراق وسوريا، بمصير وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى كورقة خروج يجري إخراجها في الوقت الحرج.


ولذلك قرار التنسيق العسكري والسياسي الأمريكي، ولرفع رصيد نتنياهو وحضوره الشخصي والسياسي والحزبي، لا بد من تنفيذ عمليات كبرى تخرج عن كل قواعد الاشتباك وتكسرها، وبقرار وموافقة أمريكية.
العمليات العسكرية التي شنت في الضاحية الجنوبية مساء الثلاثاء 30-7-2024، واستهدفت القائد فؤاد شكر، وكذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية فجر الأربعاء 31- 7-2024 في طهران، وقصف ميناء الحديدة، وما قامت به أمريكا من قصف لمعسكرات الحشد الشعبي في العراق، كلها تقول بأن المنطقة باتت على مفترق طرق، ودخلت مرحلة وتطور جديد. ونحن نعرف بأن نتنياهو يدرك بأن عمليات الاغتيال والقصف، لن تضعف فصائل المقاومة ولا محورها، بل دللت عمليات الاغتيال للعديد من قادة المقاومة فلسطينية وعربية وإيرانية، بأنها ساهمت في تصليبها وتقويتها وشد عضدها ولحمتها الداخلية، والخط البياني لها صاعد. قال نصرالله في خطابه لوداع القائد فؤاد شكر، بأن تنظيمات الجهاد الإسلامي وحركة حماس وحزب الله وغيرها من حركات المقاومة والحركات الجهادية التي جرى اغتيال قادتها، خطها البياني صاعد، تتطور وتتقوى وتتصلب وتتوسع.


نتنياهو في العمليات التي نفذت في الضاحية الجنوبية، وقلب طهران، وميناء الحديدة، والمجازر في قطاع غزة، أراد ان يهرب للأمام ويعوض عن عجزه وخسارته في الميدان، وأن يبحث عن صورة نصر، يرمم له صورته ويستعيد له شعبيته، ويعيد ثقة المجتمع الإسرائيلي بجيشه ومؤسسته العسكرية وأجهزته الأمنية، وبأن جيشه وأجهزته الأمنية قادرة على الوصول إلى أي هدف وفي أي بلد.


وعمليات الاغتيال والقصف التي قامت بها اسرائيل حملت رسائل سياسية وأمنية لإيران كرأس المحور، وكل حركات المحور، بأن يدها وأذرعها طويلة، ولا تشكل أي بقعة جغرافية مكان آمن وأمان لقادة المقاومة، حتى في طهران نفسها، والتي أراد أن يظهرها بأنها عاجزة عن حماية ضيوفها، وكذلك أراد أن يجد شرخاً بين المقاومة وبين طهران على خلفية اغتيال هنية على أرضها وفي ضيافتها.


العمليات الإسرائيلية الأخيرة ، والتي ساد فيها الفرح المؤقت في اسرائيل ، يبدو بأن الردود عليها قادمة، وهي ردود حقيقية وقاسية ومؤلمة، وليست ردود في الإطار الاستعراضي والشكلي والمحدود، وهذا ما يتضح من كلمات المرشد الأعلى والقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية الإمام علي خامنئي، في الصلاة على جثمان القائد الكبير اسماعيل هنية في جامعة طهران، عندما قال بأن الرد على تلك الجريمة سيكون بحجم الجريمة، إن لم يكن أكبر وأوسع، فهذه الجريمة مست إيران ليس في أمنها القومي وسيادتها وكرامتها فقط، بل الأهم من ذلك في شرفها، وكذلك قال نصرالله في وداع القائد الحاج فؤاد، بأن الرد على عملية اغتيال القائد فؤاد شكر، منفصلة عن جبهة الإسناد التي ستعود الى عملها غداً الجمعة كالمعتاد، أما الرد على جريمة اغتيال القائد فؤاد شكر، فهو سيكون حقيقياً والبحث من خلال فرصة حقيقية، والرد الآن بيد الميدان، ولا وقف لجبهات الإسناد دون توقف الحرب على قطاع غزة، وجبهات الإسناد لم تعد جبهات إسناد، بل هي معركة شاملة على كل الساحات.


إذن، واضح من كلمة المرشد الأعلى الإمام خمينائي في الصلاة على جثمان القائد هنية، وكلمة نصر الله في وداع القائد فؤاد شكر، بأن المنطقة ذاهبة نحو التصعيد، والوقوف على أبواب حرب إقليمية شاملة، سيقول الميدان كلمته فيها من خلال الرد لجبهات محور المقاومة، والأهداف التي سيطالها وطبيعة تلك الأهداف والأماكن المستهدفة، وأيضاً الرد الإسرائيلي، وربما الأمريكي على عمليات الاستهداف تلك، فإذا ما حملت تصعيداً واسعاً وخطيرا واستهدف بها، أهدافاً حيوية واستراتيجية عسكرية وأمنية واقتصادية وقيادات وازنة من قادة المحور، فهذا سيدفع نحو نشوب حرب شاملة في المنطقة، أرادها نتنياهو ولكنه كان يخشاها ويدفع أمريكا للمشاركة فيها، ولكن بعد القرار بالردود من قبل المحور بقيادة طهران وحركاته في اليمن ولبنان والعراق وفلسطين، والتصريحات التي صدرت عن وزير الدفاع الأمريكي أوستن، بأن أمريكا ستقف الى جانب اسرائيل عسكرياً اذا ما جرى استهدافها، وتحريك سفنها وبوارجها قرب السواحل اللبنانية، فهذا يعني بأن أمريكا ستكون شريكاً مباشراً لاسرائيل في هذه الحرب، بخلاف مواقفها المعلنة المضللة والخادعة والكاذبة، والتي تقول فيها بأنها تعمل من أجل كبح التصعيد في المنطقة، وهي لم تقم بأية خطوة عملية لكبح حليفتها وشريكتها اسرائيل، بل باستهداف الضاحية الجنوبية واغتيال القائد فؤاد شكر، قالت إن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها.


المنطقة تنتقل من التفاوض على صفيح ساخن إلى اللعب على حافة الهاوية. وربما أية حماقة ترتكب أو تهور سيدفع بالإنزلاق نحو الهاوية والحرب الإقليمية الكبرى.

نتنياهو في العمليات التي نفذت في الضاحية الجنوبية، وقلب طهران، وميناء الحديدة، والمجازر في قطاع غزة، أراد ان يهرب للأمام ويعوض عن عجزه وخسارته في الميدان، وأن يبحث عن صورة نصر، يرمم له صورته ويستعيد له شعبيته، ويعيد ثقة المجتمع الإسرائيلي بجيشه.