حملة المقاطعة.. وفرصة إنعاش الاقتصاد الوطني

أغسطس 3, 2024 - 13:41
حملة المقاطعة.. وفرصة إنعاش الاقتصاد الوطني

سارة طالب السهيل

الحراك الشعبي التضامني مع أهل غزة بمقاطعة المنتجات الأجنبية الداعمة لدولة الاحتلال، حق مشروع استخدمته الشعوب كسلاح اقتصادي وسياسي نابع من إراداته الحرة، لوقف دعم إسرائيل في طغيانها وبطشها بالشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، خاصة بعد ما تعرضوا له من تطهير عرقي وحرب إبادة مأساوية.


‎أداة الضغط التي استخدمها الناس للبضائع والشركات المتضامنة مع دولة الاحتلال كبدت هذه الشركات خسائر فادحة، في الوقت الذي أحيت فيه الصناعات الوطنية البديلة في البلدان التي استخدمت شعوبها هذا السلاح.


‎ ثمة مخاوف أطلقها بعض المحللين والاقتصادين من مخاطر مقاطعة العلامات التجارية العالمية الداعمة لإسرائيل، مثل ماكدونالدز وبابا جونز وستاربكس وغيرها من فقدان الكثيرين لوظائفهم، وهي مخاوف تداولها الكثير من الاقتصاديين وأصحاب رؤوس الأموال، وتبنوا فكرة خوفهم على أرزاق العاملين فيها، ومن أجل الحفاظ على الاقتصاد الوطني من فقدان الاستثمارات الأجنبية وتدفقها.


‎أظن أن كثيراً من الأحرار في العالم الغربي والمتضامنين مع حق الفلسطينيين في الحياة الآمنة ووقف حرب الإبادة، ساهموا معنا في مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، ولا أتصور أن يؤدي موقف شعبنا من المقاطعة إلى وقف تدفق الاستثمارات الخارجية المحترمة.


‎بالمقابل فإن هذه المقاطعة جاءتنا على طبق من ذهب لتغيير ثقافتنا الاستهلاكية، والتي كانت تنتصر للمنتجات المستوردة على حساب المنتجات المحلية تأثرا بفنون الدعاية الجاذبة للماركات العالمية.


‎وفي ظني أن تغيير ثقافتنا الاستهلاكية هو جزء أصيل من محافظتنا على هويتنا الوطنية التي هي مبعث نهضتنا الاقتصادية عبر الاعتماد على النفس، والثقة بقدراتنا على المنافسة وتلبية احتياجات المستهلك المحلي من كافة السلع التي يحتاجها عبر إنتاج سلع جيدة تحظى برضى المستهلكين وتشبع رغباتهم.


‎وأنا برأيي اننا وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، لأن الكثير من المنتجات أصبح لها بديل وكثير من المنتجات المحلية أصبحت أكثر تطوراً وأكثر جودة، وهدأ الأمر أثبت وجهة نظري التي قلتها في عدة مقالات منذ بداية الحرب على غزة، بأن المنتج المحلي سيجد حافزاً لتطوير نفسه، وسيجد زبوناً يبحث عنه بعدما كان منبوذا كونه منتجاً محلياً، ربما بسبب ضعف الجودة، أو بسبب عقدة الأجنبي و(البريستيج) لطبقات المجتمع حديثي النعمة الباحثين دوماً عن جوازات سفر يدخلون بها العالم المخملي عن طريق التباهي بالأموال والمقتنيات.


‎وبالعودة إلى موضوعنا نجد أن المصانع والشركات العربية أخذت فرصتها، والكرة الآن في ملعبها إما أن تنتهز هذه الفرصة، وإما أن تخسر لمدة أطول وانتظار فرص جديدة أخرى.


من جانب آخر، فإن الشركات المحلية الحاصلة على توكيل من الشركات العالمية الأم، اضطرت مع الوقت لخفض العمالة، وقد تضطر مع استمرار المقاطعة إلى إغلاق فروعها، وهذه خسائر لا يمكن إنكارها، ولكن هذه الشركات المحلية يمكنها بكل سهولة توظيف طاقتها العملية والعمالية وخبراتها في تقديم منتج وطني وتوظيف هؤلاء الذين فقدوا وظائفهم بالمصانع والمعامل المحلية على أن تكون هذه المنتجات مدعومة من المواطن، حتى تنافس في جودتها العلامات التجارية العالمية. والسوق المحلية على حد علمي مستوعبة تماما هذا التحول وقابلة ومرحبة به جداً.


‎هذه المقاطعة فرصة ذهبية من وجهة نظري لتنشيط الصناعات المحلية وتفعيلها وازدهارها بما يسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، وتقليل اعتمادنا على المستورد لصالح المنتج الوطني، والتجربة العملية على أرض الواقع أثبتت انتعاش المنتج المحلي مثلما أقبل المستهلك الوطني على مطاعم فايرفلاي وبرغر ميكرز بعد مقاطعتهم لماكدونالدز، وتحولوا لشرب سما كولا وسينالكو وميتركس بعد مقاطعة بيبسي وكوكاكولا، ومن خسر وظيفته في الشركات صاحبة التوكيل للعلامة التجارية الأجنبية انتقل إلى العمل في الشركات المحلية، ومع انتشار الشركات المحلية وزيادة الطلب على منتجاتها، زاد بالمقابل إنتاجها وعدد العاملين فيها، ما أنعش حركة الاقتصاد والتجارة في البلاد. كما أن مال المستثمر الوطني صار في صالح البلاد بعد أن كان في صالح الاقتصاديات الأجنبية.


‎إلى متى نبقى مجتمع غير منتج وغير مصنع وغير مصدر؟ إلى متى نبقى شعوب مستهلكة لما يصنعه الآخرون؟ هذه فرصتنا لنفكر ونعمل ونتطور وننتج.


‎تبقى ملاحظة مهمة ينبغي مراعاتها، وهي عدم لجوء الشركات المحلية إلى رفع أسعار منتجاتها على المواطنين المستهلكين استغلالا من أصحاب هذه الشركات بسبب زيادة الطلب على منتجاتها. والجهات المسؤولة عن حماية المستهلك ينبغي أن تقوم بدورها لمنع وقوع هذا الاستغلال ورفع الأسعار، إضافة لمتابعة الغذاء والدواء لمواصفات المنتجات، فالتوسع في إنشاء الشركات والصناعات البديلة عن المستوردة وزيادتها في السوق يخلق المنافسة السعرية بينهم لجذب المستهلك إليه.

إلى متى نبقى مجتمع غير منتج وغير مصنع وغير مصدر؟ إلى متى نبقى شعوب مستهلكة لما يصنعه الآخرون؟ هذه فرصتنا لنفكر ونعمل ونتطور وننتج.