استثمروا لحظات الفرح !
فراس عبيد
إن التقلّب بين الضدين هو واحدٌ من أدقّ خصائص وجودنا البشري، وأكثرها غرابة.
فالإنسان لا ينفكّ يعيش هذه الحياة الأرضية الفاتنة بين ليل ونهار، وحزن وفرح، وراحة وتعب، وضيق وفرج، وحب موجود وحب مفقود، وإحباط وأمل.. وأخيراً بين حياة وموت.
وأغرب من ذلك، أن الإنسان قد يتعب أو يملّ أو يمرض إذا استمر على حال واحد أو ضد واحد، وهو ما يؤكد حقيقة توحّد تلك الأضداد وتكاملها في المستوى العلوي والكوني والوجودي.
لذلك من البديهي أن يتمتع الضدان الوجوديان بمزايا إيجابية، يفيد منها الإنسان، سواء بإرادته أو بدونها.
نوجّه منظارنا الآن للضد المفرح.. فوراً أقول لك: استثمر فرحك ! ستقول: كيف؟
لنعدد أولا بعضاً من قائمة المُفرحات: مكسب مالي، لقاء امرأة برجل، عزومة فاخرة، مشاهدة مسلسل مفضل أو برنامج مشوّق، سفرة ممتعة، إحساسك بالسكينة في منزلك، اعتراف مسؤول كبير بقدراتك وإشادته بها، اللعب مع الأطفال الصغار، نجاح مشروع استثماري لك، راحة بالك، تفوق أبنائك، تعامل راق معك من شخص لا تعرفه، تحقيق حلم لك، أن تحيا نمط حياة كما تريد، لا كما يريد المجتمع أو القطيع، شراء سيارة جديدة أو ثياب جديدة، سَيرك في قلب الليل، ممارستك رياضة اليوغا أو السباحة، قهوة أو شاي الصباح في شرفة منزلك، قراءة كتاب ممتع.. لا تنتهي القائمة !
خذ أي عنصر تشاء من قائمة المفرحات بعد الانتهاء الزمني للحدث، ثم راقب إحساسك الجديد والتغيرات الكيميائية التي تحدث في جسمك، ستجد إحساساً غامراً بالفرح والرضى قد عمّ كيانك، وستحس بتحولات مريحة جداً في كيمياء جسمك يخبرك بها جسمك نفسه، وتلمسها أنت إحساساً بالتوازن والعافية والراحة.
وبعد ذلك.. نصل إلى المنعطف الذكي، منعطف تعظيم إحساسك بالفرح المولود للتو!
عظّم إحساسك بالفرح القائم، أحسّ به بصدق وبانتباهية وبدهشة، لا تدع أمراً أو حدثاً تالياً يفسد فرحك المولود ويشوش عليه وينسيك إياه ويحل محله - لأطول فترة ممكنة، اشكر القدير على نعمة الفرح المعطاة لك، امش بخطوات سريعة إن كنت رجلاً أو ارقصي إن كنت امرأة، اجلس وحدك وسط نسمات منعشة، استرخ على أريكتك مطّط جسمك معبراً عن الرضى والسعادة، اشكر من تسبب لك بالفرح إذا لم يكن أنت أو اشكر نفسك إن كنت أنت، افعل ما يزيد من سعادتك في تلك اللحظة كتناول كوب شاي أو قهوة.. وغير ذلك من أفعال تعظيم الفرح.
واستحضر الشعر العربي العظيم: ( إذا هبّت رياحُك فاغتنمها، فعُقبى كلِ خافقةٍ سكونُ).
ولاحقاً.. استذكر الواقعة المفرحة كلما سنحت لك سانحة، ودعها تترسّخ في ذاكرتك كي تصبح جزءاً أصيلاً منها، فتعود إلى استدعائها كلما شعرت بحاجة لاسترجاع لحظات سعيدة ومليئة بالأمل والطاقة الإيجابية، فتتزود مجدداً بتلك الأحاسيس المميزة.
إذا فعلت ذلك، فإنك تكون قد استثمرت لحظات الفرح التي عشت وزمن الفرح الذي مُنح لك من الكون، وتكون قد نجحت في مدّ ذاتك وجسمك المادي بمخزون عالٍ وعميقٍ من موجات الفرح والاسترخاء والرضى والذكاء والمناعة، وهو المخزون الذي ستجده حاضراً مستجيباً في لحظات الشدة، وأوقات التعب والانهيار التي ستزورك فيما بعد.. نأمل ألا تطيل مكوثها عندك، أيها المخلوق الجميل البهيّ العزيز المتقلب بين الضدّين الكونيين !
عظّم إحساسك بالفرح القائم، أحسّ به بصدق وبانتباهية وبدهشة، لا تدع أمراً أو حدثاً تالياً يفسد فرحك المولود ويشوش عليه وينسيك إياه ويحل محله.