الكونغرس الأمريكي وكر الافتراء العالمي

يوليو 30, 2024 - 13:26
الكونغرس الأمريكي وكر الافتراء العالمي

راسم عبيدات

ليس بالغريب إذا ما رشّح وكر الافتراء العالمي "الكونغرس" الأمريكي، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لنيل جائزة "نوبل" للسلام، تقديراً لدوره وخدمته في قتل أطفال غزة، وتجويع سكانها. كيف لا، وهذا الكونغرس نظّم له حفل استقبال، فيه من التسحيج والتطبيل، ما تفوّق به على كل البرلمانات العربية الرسمية. نتنياهو المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يستقبل في "الكونغرس" الأمريكي، بحفل تسحيج صاخب، وتصفيق لـ 80 مرة، ولتصف رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابق نانسي بليوسي خطابه بأنه أسوأ خطاب لزعيم ليس أمريكي أمام "الكونغرس" الأمريكي، في حين وصفه زعيم المعارضة الإسرائيلية لبيد بالمشين، أما رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود بارك، فقال لا تصدقوا نتنياهو فهو مخادع، ولا تجعلوه يخدعكم. 

ما جرى في هذا الوكر يؤكد على أنه مصدر كل الشرور في العالم، فرئيسه مايك جونسون أيد فرض عقوبات على رئيس محكمة الجنايات الدولية كريم خان، لأنه تجرأ على إصدار مذكرة اعتقال لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، ووزير حربه غالانت على خلفية تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، ولم يكتف جونسون بذلك، بل قال أن تلك المحاكم أقيمت من أجل محاكمة الأفارقة، ودول العالم الثالث، والحكام "البلطجية" أمثال الرئيس الروسي بوتين، وليس لمحاكمة الأمريكان والأوروبيين الغربيين وأصدقاء أمريكا مثل إسرائيل. 

هذا الوكر رفض حتى إجراء مناقشة حول أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي في قطاع غزة، ومن خلاله جرى تمرير صفقات سلاح كثيرة بمليارات الدولارات لإسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، لكي تستمر في حربها الإسرائيلية - الأمريكية "المتحضرة" على "التوحش" الشرقي، على أطفال غزة ونسائها. وفي الوقت الذي تفتك فيه آلة السلاح الأمريكي بهؤلاء الأطفال، تتباكى كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية على حقوق الإنسان، وحياة الأطفال في قطاع غزة، في كذب مفضوح وغير مسبوق، فمن يتباكى على حقوق الإنسان ويذرف دموع التماسيح على أرواح أطفال غزة، لا يقوم بتزويد دولة الاحتلال بـ 20 ألف قنبلة غير موجهة، و 2600 قنبلة موجهة، و 3000 صاروخ دقيق، عدا الذخائر والطائرات والدفاعات الجوية. نتيناهو الذي كان يصف المتظاهرين خارج الكونغرس الأمريكي من الطلبة ومن المحتجين على جرائمه في قطاع غزة، ومن ضمنهم يهود أمريكان والداعين لوقف الحرب عليها، بأنهم ضد السامية، وهم ممولون من إيران ودمى بأيديها، وليحظى ذلك بتصفيق حار من أعضاء الكونغرس الذي يتشدق أعضاؤه بالحرية والديمقراطية، في وصمة عار ستلاحقهم حتى مماتهم.


لم يساورنا شك للحظة واحدة بأن أمريكا، ليست وسيطاً نزيهاً أو محايداً، بل هي شريك، وهي صاحبة فكرة الحرب على شعبنا الفلسطيني، وكل الشعوب المضطهدة والمظلومة، ويكفي القول بأن أمريكا تدخلت في 72 دولة خارج إطار الشرعية الدولية، من أجل دعم أنظمة ديكتاتورية، أو التخلص من أنظمة تريد أن تشق عصا الطاعة على العبودية الأمريكية، واستمرار نهب خيرات وثروات بلدانها، فأمريكا تفرض ما يعرف بـ"قانون قيصر" لتجويع الشعب السوري حتى الموت ،وهي من تحتل أرضه وتنهب خيراته وثرواته، وهي من تفرض عقوبات مالية واقتصادية على لبنان، وكذلك ترفض الانسحاب من الأراضي العراقية، وتخضع اليمن لعقوبات ظالمة، وتواصل فرض عقوباتها على إيران منذ أكثر من 40 عاماً، وكذلك حاولت أكثر من مرة قلب نظام الحكم في فنزويلا وغيرها من دول العالم.


خطاب الاستعراض وحفلة الأكاذيب في الكونغرس الأمريكي، أراد منها نتنياهو أن يستقطب دعماً عسكرياً وسياسياً لحربه على قطاع غزة، واختار لها عنواناً، وهو إن إيران هي "سبب الشرور في هذا العالم وهي من تدعم كل قوى الإرهاب في العالم"، ولم يتطرق إلى وقف إطلاق النار ولا إلى صفقة التبادل، ولا إلى الاستيطان، ولا إلى مسار سياسي لحل القضية الفلسطينية.


نتنياهو يدرك تماماً أن الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، والحماية القانونية والسياسية لها في المؤسسات الدولية، هي من صلاحيات الدولة العميقة، وهذه سياسة ثابتة بغض النظر عن من سكن بيتها الأبيض وسيطر على كونغرسها، وبغض النظر أيضاً عن شخص رئيس وزراء حكومة الاحتلال. فلا يستطيع أي رئيس أمريكي أن يضغط عليه لوقف الحرب، ويمنع تزويد إسرائيل بالسلاح والمال، أو يسمح بتمرير قرارات في المؤسسات الدولية تدين إسرائيل أو تفرض عقوبات عليها.


خطاب نتنياهو كان متناقضاً مع مزاج قطاعات ليست بالبسيطة من الشارع الأمريكي، وكذلك الكونغرس الأمريكي الذي تسيطر عليه الاحتكارات والكارتيلات المالية والعسكرية، لم يكن موحداً بالنسبة لاستقبال نتنياهو وحضور خطابه أو التوافق الكلي معه، فقد تغيب عن حضوره أكثر من نصف النواب الديمقراطيين، بمن فيهم كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية للرئاسة، والتي كان من المفترض أن تقود الجلسة، وكذلك 24 من أعضاء مجلس الشيوخ الـ 51 .


نتنياهو استغل الكونغرس الأمريكي للهجوم على خصومه، وللدفاع عن دولته، بأنها لم ترتكب جرائم حرب، حتى أنه سأل جيشه أثناء تسلله لرفح ، كم قتلتم من أعضاء حماس، قالوا 12 الفاً، وكم مدنياً قتلتم قالوا لم نقتل أحداً. فهؤلاء الأطفال يقتلون بسبب كائنات فضائية خارجية، الذين وثقتهم منظمة "اليونسيف" الدولية التي تعنى بالأطفال بـ 15 ألف طفل قتيل. وسبب مآسي وتجويع وحصار قطاع غزة وشعبها، ليس عدوانه المستمر على شعبها، بل سرقة حماس للمساعدات واستخدامها المدنيين كدروع بشرية، وكذلك قال بأن هذه الحرب تقودها اسرائيل نيابة عن أمريكا، فحربهما واحدة، حرب "التحضر على التوحش الشرقي"، وفق نظريات عنصرية نهاية التاريخ وصراع الحضارات، وكذلك لم ينس "أصدقاءه من حكام دول النظام الرسمي العربي المطبع، فمصيرهم مرتبط بمصر اسرائيل بسبب التحديات الأمنية، خاصة من إيران.


وكر الافتراء العالمي لن يكون في يوم من الأيام فلسطينياً ولا عربياً، ما دامت تسيطر عليه اللوبيات الصهيونية التي ينطق باسمها ثمناً لدولاراتها التي تدفعها لأعضائه.

لم يساورنا شك للحظة واحدة بأن أمريكا، ليست وسيطاً نزيهاً أو محايداً، بل هي شريك، وهي صاحبة فكرة الحرب على شعبنا الفلسطيني، وكل الشعوب المضطهدة والمظلومة.