يا تلاميذ غزة لا تحزنوا

يوليو 30, 2024 - 13:27
يا تلاميذ غزة لا تحزنوا

بهاء رحال

يُكابد الأب والأم في شقاء الحياة، حتى يصل أبناؤهم إلى هذه اللحظة التي تعلن فيها نتائج امتحان الثانوية العامة، والمعروف بـ" التوجيهي"، وهي لحظة تشبه لحظة قطاف الثمر، أو الحصاد، وما قاموا بزرعه من علم وعلوم ومعرفة طيلة السنوات الإثنى عشر من عمر الطالب على مقاعد الدراسة، وهي محطة جني الطالب لجهده ومثابرته خلال سنوات الدراسة، وهي لحظة تعانقها العائلة بامتنان عظيم، وينتظرها الناس بفرح غامر، وتحظى باهتمام المجتمع بوجه عام، وهذا ما اعتاد عليه الفلسطينيون في كل عام. لكن، وعلى نحو مختلف سوف تخرج النتائج هذا العام منقوصة موشحة بالحزن والألم.


المفارقة كانت هذا العام بأن طلبة الثانوية العامة في غزة لم يتقدموا للامتحان كما في كل السنوات الماضية، والمفارقة أيضًا أن هذا حدث لأول مرّة في تاريخ (التوجيهي)، حيث تقدم طلبة الثانوية العامة في الضفة الفلسطينية والقدس من دون زملائهم في غزة، فالحرب لم تبق على مدرسة، وما تبقى من مدارس باتت مراكز إيواء لمئات آلاف من النازحين، وعدد الشهداء ممن كانوا سيتقدمون للامتحان لولا الحرب غير معروف، فهناك من هم تحت الأنقاض، وهناك من هم في دوائر الاعتقال، وبعضهم دخلوا سجلات وزارة الصحة شهداء ولكن الأعداد غير كاملة ولا شاملة، فالحرب مستمرة ولم تتوقف.


جرت الامتحانات هذا العام من دون غزة، وسوف تخرج النتائج يوم الاثنين، كما أعلنت وزارة التربية والتعليم من دون غزة، وقد غابت فرحة النجاح في معمعة ما يجري، فغمامة الحزن تغطي مساحة القلوب التي تنبض إنسانية وصور المذابح في غزة تنخز الضمائر الحيّة، وطلبة الثانوية العامة الذين وجدوا أنفسهم من دون زملائهم يتقدمون لامتحان التوجيهي، ها هم يستقبلون نتائجهم بتحسس الفقد، وبأثر الألم والحزن الكبير على ما يحصل، ولن تخرج نتائج طلبة غزة الذين يعيشون تحت القصف والعدوان الهمجي، وقد زادوا حزنا.


إن الثانوية العامة هي محطة رئيسية هامة في حياة الطالب وتحديد مستقبله، وهي نقطة انطلاق أساسية في رحلة التعليم الجامعي، ولها أهمية بالغة في حياة الطالب الذي يكون قد أتم إثنى عشر عامًا على مقاعد الدراسة، وهي لحظة فارقة تكاد لا تساويها لحظة أخرى، وهذه اللحظة فقدها طلبة غزة، كما فقدوا أشياء أخرى عديدة لا حصر لها.


مرّ العام الدراسي ولم يتلق تلاميذ غزة حصة مدرسية، كما مرّت عليهم ظروفًا رهيبة، في هذه الحرب المستعرة، أكثر قسوة في حقيقتها من أن يعبر عنها بعدد من الكلمات، وهم اليوم يفتقدون لحظة عاشوا سنواتهم الدراسية في انتظارها.


لم يفقد تلاميذ غزة فرحة نتائج الثانوية العامة وحدها، بل فقدوا كل شيء، الأهل والأصحاب والبيوت والمدارس والأساتذة والمعلمين والمعلمات، وتبدلت مهام حقائبهم المدرسة من حمل الكتب إلى جمع أشلاء الأقارب فيها، من أجل دفنها.


هذا العام لن نسمع اسم الأول أو الأولى على فلسطين في امتحان شهادة الثانوية العامة، بل سنسمع اسم الأول أو الأولى على الضفة الفلسطينية والقدس، فقد غاب تلاميذ غزة بفعل الحرب، وكم كانوا يحظون في المراتب الأولى في الشهادة الثانوية، كما يحظون اليوم بالمراتب الأولى في الشهادة السماوية.


فيا تلاميذ غزة لا تحزنوا، ستغدون لمستقبل أكثر إشراقًا، وإن بدت الصورة هذه الأيام قاتمة، فأنتم الأجدر بالحياة رغم كل ما يحيط بكم من موت.

لم يفقد تلاميذ غزة فرحة نتائج الثانوية العامة وحدها، بل فقدوا كل شيء، الأهل والأصحاب والبيوت والمدارس والأساتذة والمعلمين والمعلمات، وتبدلت مهام حقائبهم المدرسة من حمل الكتب إلى جمع أشلاء الأقارب فيها، من أجل دفنها.