هل يستبدل بايدن قبل الانتخابات الأمريكية؟
فتحي أحمد
تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية دائماً على اهتمام العالم أجمع نظراً لمكانتها في ميزان القوى العالمي.
وقبل الولوج في المناظرة التلفزيونية بين بايدن وترامب، نغوص معًا في الصورة الإدراكية الموجودة في الوسط الانتخابي، وهي أن تجري الانتخابات أصولا بعد الاتفاق على مرشح لأي حزب سياسي لخوض الانتخابات، ولكن في الأنظمة واللوائح الداخلية للدول تختلف من دولة لأخرى، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يخوض الانتخابات الرئاسية حزبان رئيسيان فقط، هما الحزب الجمهوري، والحزب الديمقراطي، وإن اختلفت أدوات كل منهما لتحقيق المصالح الأمريكية بين القوة الصلبة والقوة الناعمة أو الجمع بينهما. ولكلا الحزبين توجهات خارجية تخدم المصالح الأمريكية، ولكن هناك اختلاف في الأسلوب أولاً، وفي حشد دول ضد دول، كما نلاحظ دوماً الإلحاح المتواتر المخفي الذي يكمن في تشكيل تحالفات حسب الرؤية الشخصية للرئيس المنتخب، ترامب مع احتواء روسيا ضد الصين القوة الصاعدة والمنافسة لأمريكا.
وليس هذا إلا أول الغيث، فقد شهدت المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين بادين، المرشح الديمقراطي، ودونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة والمرشح عن الحزب الجمهوري، تبادلاً للاتهامات بين المرشحين، تركزت على قضايا مثل الإجهاض، وإدارة الاقتصاد، والمهاجرين، إضافة إلى النزاعات في أوكرانيا وغزة. وقال بايدن خلال المناظرة إن ترامب لا يستحق أن يكون رئيساً، واصفاً إياه بأسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة. وأشار بايدن إلى أن مايك بنس، نائب ترامب السابق، لم يؤيده. وانتقد بشدة دور ترامب في الحد من إمكانية الإجهاض، واصفاً إياه بالأمر الفظيع، كما اتهم بايدن بترك الحدود مفتوحة لتدمير أمريكا.
يعتبر ترامب أن فوزه في الانتخابات سيكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ أمريكا من الوحل. أما بخصوص حرب أوكرانيا فلم تكن لتحدث لو كان لدى الولايات المتحدة قائد حقيقي. وألقى باللوم على بايدن في ارتفاع التضخم ومقتل المواطنين السود. كما حذر ترامب من اقتراب العالم من الحرب العالمية الثالثة بسبب سياسات بايدن، مشيراً إلى أن العالم يتجه نحو الانفجار بسبب قلة الاحترام لأمريكا في عهد بايدن.
إذن، لم يعد خافياً على أحد أن ترامب كان أكثر حدة من بايدن من ناحية الأداء، كما تمكّن من تحويل الهجمات المحتملة التي حاول الرئيس الحالي شنها لصالحه، وعندما سئل ترامب عن أعمال الشغب في الكابيتول في 6 يناير 2021، تحدث عن حالة أمن الحدود والسياسة الضريبية في ذلك الوقت، مبتعدا عن تقديم إجابة محددة حول أكثر الأحداث صدمة للأميركيين، حيث يُتهم ترامب بالوقوف خلفها، كما أن الحرب الاوكرانية الروسية في نظر ترامب كان يجب ألا تحدث، و"في حال فوزي سوف أنهيها في ساعة".
وبالعودة إلى نتائج المناظرة وما ترتب عليها من نتائج، فكل المؤشرات تدل على أن المناظرات التلفزيونية تفضي إلى تحديد من سيكون الرئيس، لهذا ذهب كثير من المحللين الذين ينسبون انتصار كينيدي بفارق بسيط في عام 1960 إلى أدائه الجذاب في المناظرة المتلفزة. والإجابة المتعثرة للرئيس جيرالد فورد على سؤال حول القوة العسكرية السوفيتية في أوروبا الشرقية عام 1976 ربما كلفته إعادة انتخابه. ورونالد ريغان، الذي كان سابقًا ممثلًا محترفًا، استغل مهارته في تقديم أداء قوي في المناظرات ضد الديمقراطيين جيمي كارتر ووالتر مونديل، مما ساعده في تأمين فوزين انتخابيين، وباتت نظرة الرئيس جورج بوش الأب إلى ساعته خلال سؤال عن ضعف الاقتصاد في مناظرة عام 1992 لحظة لا تُنسى في خسارته أمام بيل كلينتون.
عودة إلى عنوان المقالة، هل يُستبدل بادين قبل الانتخابات الأمريكية؟
صحيفة وول ستريت جورنال، أهم صحف التيار المحافظ المقرب من الحزب الجمهوري، شددت على ضرورة انسحاب بايدن بعدما شاهده "أعداء أمريكا"، من قادة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وهو ضعيف متلعثم يفقد ترتيب أفكار حديثه وسط ظهور ملامح الشيخوخة عليه بصورة لا يمكن تجاهلها، وهو ما يضر بصورة أمريكا ومصالحها، كما كشف استطلاع للرأي أن غالبية الأمريكيين يرون أنه من الضروري استبدال الرئيس الحالي جو بايدن بمرشح آخر عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مما لا شك فيه أنّ قضية استبدال جو بادين ليست بالأمر السهل، يجوز قانوناً حسب سجله المرضي وعدم قدرته على ممارسة المهام الرئاسية، والانسحاب بشكل طوعي لأسباب شخصية. من هنا فإن الاستبدال بحد ذاته جائز قانونياً، ولكن تبقى الكلمة الفصل للقاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي، المقسومة على نفسها بين مؤيد ومعارض، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن المرشحين الآخرين أقل حظاً بالفوز من بادين. لهذا السبب يرجح أغلب المراقبين أن لا تبديل لبادين، وهو مُصر على ترشحه إذا لم يُغير هو بنفسه. إن استثمار الجو الانتخابي لصالح بادين في ظل الأزمات التي تعصف بالعالم، منها الأزمة الروسية والاكرانية، والحرب على غزة، وما يجري في السودان، لا يخدم بادين على الإطلاق، ونجد أن ترامب الفوضوي في سلوكياته، سَوّق نفسه جيداً وقلب الطاولة.
-----
الاستبدال بحد ذاته جائز قانونياً، ولكن تبقى الكلمة الفصل للقاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي، المقسومة على نفسها بين مؤيد ومعارض