مئتا يوم على حرب إبادة غزة

اكملت حرب الإبادة على غزة مئتي يوم، وتحت استمرار الوعيد والتحضير والتخطيط لاجتياح رفح، تتواصل عمليات القتل والقصف في كل ساحات القطاع، وترتفع بذلك أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين، وتتسع رقعة الخراب على هذا النحو الذي فقدت فيه غزة كل معالمها وكل مقوماتها، وقد امتد الخراب شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وفقدت غزة جامعاتها ومدارسها ومستشفياتها ومراكزها الطبية والصحية، وفقدت كل مقومات ومقدرات العيش، فلا بيوت صالحة للاستخدام ولا بنى تحتية، ولا مساجد وكنائس، ولا شبكات كهرباء وماء وصرف صحي واتصالات وشبكات انترنت، وبلا اقتصاد وأسواق، فقد وصلت حد العدم، إذ فقدت كل شيء.
ومع استمرار الحرب فإن الواقع يزداد بؤسًا والحقيقة أن الظروف الصعبة وشبه المستحيلة، هي التي تسود هذه الأيام، وإن غابت عين الكاميرا وتعبوا من التغطية المباشرة التي كانت من قبل مستمرة طيلة الوقت، فعلى أرض الواقع كل شيء يزداد صعوبة، ويرتفع منسوب القهر والقتل والفقد، وعلى أرض الواقع فإن الصورة ذاتها هي التي استمرت طيلة الأيام والأشهر الماضية، فلم يتغير شيء في مشاهد القتل والإبادة والدمار.
فهل انتصر الاحتلال؟ وعن أي انتصار تبحث حكومة الحرب؟
منذ اليوم الأول لهذه الإبادة الجماعية البشعة قلنا أن غزة لا تمنح الاحتلال نصرًا بالمعنى الذي يريده، مهما ارتكب من جرائم، ومهما بلغت دموية مجازره، فغزة بمساحتها الجغرافية الضيقة لا تمنح الاحتلال صورة المنتصر، وقد جمع لها كل أنواع العتاد والسلاح في البر والبحر والجو، وحظي بدعم دولي غير مسبوق، وغطاء سياسي دولي واسع، وأطلق يد جنوده القتلة، ليفعلوا ما فعلوه وما يفعلوه حتى اليوم من مذابح ومجازر ومن خراب كبير، وهم جعلوا من قطاع غزة أرضًا محروقة وأفقدوها كل مقومات العيش، لكنهم وحتى اليوم لم يحرزوا النصر الذي يبحثون عنه، ولم يحققوا الأهداف التي أعلنوا عنها في اليوم الأول للعدوان، ونجحوا فقط بدمويتهم المفرطة التي أحرقت غزة وقتلت الناس فيها.
كل ما استطاعوا فعله هو هذه الجرائم التي راح ضحيتها عشرات الآف من الناس الأبرياء، أطفالًا ونساءً وشيوخًا وعائلات بكاملها أبيدت في بيوتها.
العديد من الأصوات داخل الكيان بدت تعي أن تحقيق النصر على غزة بالمفهوم الذي تسعى له حكومة الحرب بعيد المنال، وأن استمرار الإبادة الجماعية يرفع منسوب الكراهية للكيان على مستوى العالم، الذي يتابع ما يحدث وسوف تخلق عزلة شعبية دولية، وأن الأهداف المعلنة للحرب شبه مستحيلة تحقيقها، بل أن الأيام أثبت فشل تحقيقها، ونحن نرى الخلافات بين أعضاء حكومة الحرب وكيف تتطور، بيد أن نتنياهو الذي ومنذ اليوم الأول للحرب يتخذ منها مكسبًا شخصيًا له، يسعى لتستمر مهما كانت التكلفة باهظة، فهو يعلم أن توقف هذا العدوان يعني نهايته السياسية ونهاية عهده الدموي الفاشي.
إن استمرار الحرب مع اقتراب اجتياح رفح التي نزح إليها الناس هربًا من دموية القتل، هو نذير لارتكاب المزيد من المجازر والمذابح، وما يخطط له الاحتلال يعبر عن رغبته التي تجتر لمزيد من سفك الدماء، وأن الخطط التي يضعها لا تعتمد على مواقيت ومواعيد معينة، بل إنه يسعى ليس فقط لاجتياح رفح، بل ولتكريس صورة الاحتلال والبقاء في غزة، وهذا ما يخطط له ويعمل على تجسيده من خلال جملة من الممارسات على الأرض.
مئتا يوم من حرب الإبادة على غزة، راح ضحيتها عشرات الآف من الشهداء ولم يتحرك العالم، ولم تستطع المؤسسات الدولية وقفها، ولا التدخل بشكل حازم ومباشر، ولم تمارس أي ضغط حقيقي وفعلي على الاحتلال، بل لا تزال تراوح مكانها، وهي بذلك تعبر عن سخف المواثيق والقوانين الدولية التي لم تدفع شرّ هذا البلاء عن غزة وأهلها وسكانها.