هل سينجح الدكتور محمد مصطفى في نزع الالغام من طريقه ؟

أبريل 1, 2024 - 12:17
هل سينجح الدكتور محمد مصطفى في نزع الالغام من طريقه ؟

البند الاول في كتاب الرئيس محمود عباس بتكليف الدكتور محمد مصطفى تشكيل الحكومة الـ 19 منتصف الشهر الجاري، هو قيادة وتعظيم وتنسيق جهود الاغاثة في قطاع غزة، والانتقال السريع والفعال من الاغاثة الانسانية المطلوبة الى الانتعاش الاقتصادي، ومن ثم تنظيم ملف اعادة الاعمار واعادة بناء ما دمرته آلة الحرب والعدوان في المحافظات الجنوبية والشمالية، على ان تكون هذه الجهود ضمن رؤية واضحة تضع معالم دولة فلسطين المستقلة مؤسساتيا وبنى تحتية وخدمات.


والبنود الاخرى تتعلق بتوحيد المؤسسات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومواصلة عملية الاصلاح ومكافحة الفساد في مختلف المؤسسات، وتقديم كل الدعم الممكن للمنظومة القضائية وتمكينها بما يضمن الحكم الرشيد وكرامة وصمود المواطن وسيادة القانون وتحقيق الامن للمواطنين .


بدوره رد الدكتور محمد مصطفى على كتاب التكليف بعبارات منمقة وحذرة، تمحورت حول حساسية ودقة وخطورة المرحلة، ما يتطلب مواصلة العمل السياسي والدبلوماسي على الساحتين العربية والدولية والالتزام ببنود التكليف، وصولا الى اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومن دون التطرق الى العمل التوافقي المحلي. وفي اول تصريح صحفي له كان متفائلا بشدة وقال فيه: " آن الاوان لاقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".


ردود الفعل على تكليف الدكتور مصطفى تباينت بين مؤيدة ومعارضة ورافضة بشدة ومؤيدة بحذر !! واشنطن رحب بعبارات مغزاها يحتوي الكثير من عبارات الحق التي يراد منها باطل ، حيث دعت رئيس الوزراء المكلف الى البدء باصلاحات في العمق وذات مصداقية، موضحة أن إصلاح السلطة الفلسطينية ضروري لتهيئة الظروف اللازمة للاستقرار في الضفة وقطاع غزة ، على حد قولها . كذلك لاقى التكليف ترحيبا امميا واوروبيا ، فيما كان هناك فتور عربي غامض .


ولكن الاهم من ذلك رد الفعل المحلي ، ففي الوقت الذي رحبت فيه حركة فتح بالتكليف ، لحقتها فصائل فلسطينية منضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ، ومنها ما كان ترحيبا يخيم عليه الحذر، داعيا الى ضرورة توفر توافق وطني حول الحكومة الجديدة. ولكن اللافت في الامر معارضة فصائل اساسية لهذا التكليف على راسها حركة حماس التي ما زالت تمسك بزمام الامور في قطاع غزة ، وكذلك الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية وحركة المبادرة الوطنية، ما يعني ان هذا التكليف اثار موجة جديدة من الخلاف الفلسطيني الفلسطيني ، وهو ما بات واضحا من التراشق الاعلامي بين حركة فتح من جهة ، وما بين ما تطلق على نفسها محور المقاومة ( حماس والجهاد والشعبية) الذين اعتبروا في بيان مشترك أن تعيين حكومة من دون توافق وطني هو خطوة فارغة من المضمون وتعمق الانقسام. وعلى الفور ردت حركة فتح ببيان لها عبرت فيه عن استهجانها من بيان فصائل "محور المقاومة "، وقالت، إن " من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية"، مؤكدة أن رئيس الوزراء المكلف مسلح بالأجندة الوطنية لا بأجندات زائفة لم تجلب إلى الشعب الفلسطيني إلا الويلات، ولم تحقق له انجازا واحدا !!


بعيدا عن الفصائل ، فان اوساطا شعبية عديدة عبرت عن عدم تفاؤلها بالحكومة الجديدة ، واعتبرتها خطوة جدية في تكريس الفصل بين شطري الوطن، قطاع غزة والضفة الغربية، وهناك من ذهب بعيدا في رأيه ، من خلال استعراضه لبعض التسريبات عن الوزراء المرشحين ، حيث اغلبيتهم بحق مفخرة فلسطينية، ومن اصحاب الشهادات العالية ، ولكنهم يفتقرون لخبرة ميدانية تؤهلهم للعمل في الحقل الفلسطيني المتشعب، المزروع بكم هائل من الالغام التي ان انفجرت ستكون عواقبها مدمرة، وربما تشكل ضربة قاضية للمشروع الوطني. وهناك من اعتبر هذه الحكومة عبارة عن " بزنس" لن تلتفت في عملها الى ما يكابده الشعب الفلسطيني من ويلات الاحتلال واجراءاته التعسفية المتصاعدة ، وستكرس جهودها في جمع ما امكنها من اموال لاعمار قطاع غزة، ان نجحت في احكام قبضتها على القطاع في ظل الواقع الموجود ، او حصلت على موافقة حركة حماس .


في ضوء ما سبق، فان الحكومة القادمة امامها تحديات كبيرة جدا وخطيرة جدا، وواقع الحال ينبىء بانها لن تحقق النجاح المطلوب ولن تستطيع تلبية الاحتياجات الاساسية للشعب الفلسطيني، وبالتالي مصيرها الفشل ، ولعل احد ابرز التحديات، الفتور العربي تجاهها ، والذي سيجري الاعتماد عليه في الاعمار، فلم يعد سراً ان هناك دول عربية، في مقدمتها مصر، كانت ترغب بتكليف الدكتور سلام فياض لتشكيل الحكومة، وكذلك اغلبية دول الخليج والاردن، فعلى ما راهن الرئيس محمود عباس في اختياره الدكتور مصطفى؟


ومن التحديات التي لا تقل في اهميتها عما سبق، افتقار الخزينة الفلسطينية للاموال جراء سياسة الحصار المالي الذي تواجهه السلطة الفلسطينية بعد قرصنة دولة الكيان لاموال المقاصة الفلسطينية ، وتناقص الايرادات المحلية جراء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وامتناع المانحين عن تقديم ما كانوا يقدموه سابقا كدعم للسلطة الفلسطينية ، او تقليص الدفعات، ناهيك عن رفض دولة الكيان لاي نشاط او دور للسلطة في قطاع غزة بعد انتهاء العدوان، وهو ما اعلن عنه بوضوح اكثر من مسؤول اسرائيلي على رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ، وليس قطاع غزة وحسب ، انما منع اي عمل للسلطة في مدينة القدس والمناطق المصنفة ( ج )، ما سيجعل عمل هذه الحكومة صعبا للغاية، اضافة الى اعباء جديدة قد تتحملها السلطة في اعقاب ايقاف الدعم المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا ) ، وهو ما سيقع على كاهل السلطة لتقديم الخدمات للاجئين.


ولكن اهم التحديات واشدها خطورة هو معارضة القوة الحاكمة لقطاع غزة، وهي حركة حماس، لهذه الحكومة ، وهو ما عبرت عنه صراحة في بيانها المشترك مع فصائل المعارضة ، والتي كانت قد طالبت الرئيس محمود عباس بإجراء مشاورات مسبقة معها بشأن تشكيلة الحكومة ، وكانت ترغب بتشكيل حكومة توافق وطني، والاتفاق على برنامج عملها ومهامها وفترة عملها ومرجعيتها، حيث اعتبرت حركة حماس انه لم يتم الاستجابة لذلك، وجرى تشكيلها بصورة منفردة ، وهو ما ترفضه، ما يعني انها لن تسمح لها بالعمل في قطاع غزة .


ما يثير مخاوف السلطة بروز المفصول من حركة فتح ، محمد دحلان من جديد والدور الذي ربما سيناط به في قطاع غزة والمدعوم من بعض الدول العربية ، والذي بدأ بالفعل من خلال اللجان الشعبية التي جرى تشكيلها للحراسات وتوزيع المساعدات الانسانية، التي يلعب تيار دحلان فيها دورا مركزيا. وليس سرا ان نقول ان دحلان يتمتع بشعبية كبيرة في منطقة قطاع غزة، وحتى في مناطق عديدة من الضفة الغربية ، وتخشى السلطة الفلسطينية ان تكون هذه اللجان نواة لإدارة محلية للقطاع، ما من شأنه ان يعزز الانقسام .