قرار مجلس الأمن ٢٨٠٣

بهاء رحال

نوفمبر 23, 2025 - 10:35
قرار مجلس الأمن ٢٨٠٣

بهاء رحال

بين الانتداب والوصاية ودورة التاريخ الموسوم بالاستعمار والاحتلال والانتداب، كقدر يطوق الفلسطيني سنوات عمره وحياته، وفي لعبة الأطماع الدولية تتشارك القوى العالمية تحت مسمّيات مختلفة، لها ذات الطابع الذي كان سائدًا في زمن بريطانيا التي كانت عظمى يومًا ما. فبين المندوب السامي الذي صار اسمه رئيس مجلس السلام، والبوليس الدولي الذي صار اسمُه قوة التدخل الدولي، وبين الخط الأزرق الذي صار أصفر وأحمر وأخضر، وفي مشاريع القسمة الدائمة بين غزة والضفة والقدس، ضمن كل التفاهمات والمشاريع الدولية المقصودة، وعلى هذا النحو المقيت جاء القرار الصادر عن مجلس الأمن الذي حمل رقم ٢٨٠٣ لينذر بمستقبل أكثر غموضًا في المسألة الوطنية الفلسطينية، والحقوق المشروعة، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، إذ لم يتضمّن القرارات الدولية السابقة الصادرة عن مجلس الأمن، ذات العلاقة المباشرة بفلسطين، بل تجاهلها قصدًا، لأن المُشرِّع لا يمكن أن يتغافل قراراتٍ دوليةً صادرة، إلا إن كان الأمر مقصودًا.

قرارٌ لم يُشِر إلى الإبادة الجماعية كفعلٍ دموي استمر لعامين، ولم يأتِ على ذكر الفاعل، ولم يصدر بحق الذين أجرموا أيّ عقوبات، حتى إنه لم يُلَوِّح بذلك، ورغم بنوده العشرين المكتظّة بالعبارات والسطور والنصوص، إلا أنه خلا من أي بند يتعلق بالإبادة الجماعية كفعلٍ إجراميٍّ وسلوكٍ غيرِ بشريٍّ وجبت محاسبة الجناة عليه.

قرارٌ تجاهل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، سواء كان بالنص المباشر أو غير المباشر، وتجاهل نصوص وحدة الأرض والجغرافيا الفلسطينية، كما تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ولم يأتِ على ذكر الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ كوحدةٍ جغرافية واحدة، بل عمد إلى التعامل مع غزة وفق خطوط ورسومات ملوّنة ومجزّأة، وتقسيمات حديثة العهد في خرائط أعدّها الاحتلال وفرضها بالقوة العسكرية والبطش الشديد.

قرارٌ اشترط -كما أسماها- إصلاحاتٍ للسلطة الفلسطينية، وهذه السمفونية المقيتة التي يرددها الاستعمار عادة، وكأن الإصلاحات شأنُه وليست شأنَنا، فهم يريدون إصلاحاتٍ على مزاجهم ووفق شروطهم التي تتفق مع مقاييسهم، ومشاريعهم التصفوية، ولا تعني أبدًا تصويب الواقع بما يعود بالمنفعة على الناس، بل يسعون لهدم بذرة الوطنية وفق برامج مُعَدّة مسبقًا ومشروطةٍ بقوة الدعم المالي والسياسي.

بين مؤيد يرى في القرار أملًا يمكن أن يبنى عليه في المستقبل، ومعارض يرى فيه عودة للوصاية والانتداب ثانية، فإن الثمرة الوحيدة لهذا القرار هو وقف حرب الإبادة والتهجير، إلا أن هذه الثمرة الوحيدة لم تتحقق بعد حتى اللحظة، فمسلسل القتل والقصف مستمر، والحصار كذلك، والمساعدات التي تدخل لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات، سواء كانت مساعدات طبية أو غذائية، وعلى الأرض لم يلمس الناس بعض الهدوء المرجو؛ فهذه الثمرة لم تنبت بعد، ولم يلمسها الناس الذين تَجَرَّعوا ويلات الإبادة، وهم يتطلعون لهذا القرار من بوابة وقف الحرب، وعودة الأمن والأمان، وأن يعودوا للعيش في بيوت بدلًا من الخيام ومراكز الإيواء.